الجهود التي تبذلها مصر وقطر بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية تأتي في إطار محاولات مستمرة لاحتواء الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، لكنها تُواجه بتحديات سياسية وأمنية معقدة تثير تساؤلات كبيرة حول مدى جدواها الفعلية في ظل غياب التوافق الكامل بين الأطراف المعنية، خاصة “حماس” وإسرائيل.
اختراقات دبلوماسية
من الناحية الواقعية، التنسيق الثلاثي بين القاهرة والدوحة وواشنطن يعكس جدية دبلوماسية عالية، خاصة وأن الأطراف الثلاثة تملكان تأثيراً نسبياً على طرفي النزاع. مصر بحكم موقعها الجغرافي وحدودها مع غزة، وقطر لعلاقاتها المفتوحة مع “حماس”، والولايات المتحدة كحليف إستراتيجي لإسرائيل. هذا النوع من التحالفات عادةً ما يُنتج اختراقات دبلوماسية في حالات مماثلة، لكن المشهد الحالي يبدو أكثر تعقيداً من ذي قبل بسبب تعمق الهوة السياسية، وارتفاع منسوب الدم، وتضارب المصالح الإقليمية والدولية.
المؤشرات حتى اللحظة لا تُظهر استجابة فورية أو واضحة من طرفي النزاع. “حماس” ما زالت تصر على شروط تتعلق بوقف شامل لإطلاق النار ورفع الحصار، بينما تستمر إسرائيل في ربط أي تهدئة طويلة الأمد بمطالب أمنية صارمة، بما في ذلك نزع سلاح المقاومة أو ضمانات دولية ضد تجدد الهجمات. لذلك، لا تزال المسافة بين المواقف كبيرة، ولم تُترجم جهود الوساطة حتى الآن إلى نتائج ملموسة على الأرض.
توسيع دائرة الوساطة
ومع اقتراب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة، هناك ضغوط سياسية كبيرة لتحقيق أي نوع من “الاختراق الرمزي” يمكن عرضه كإنجاز دبلوماسي. غير أن التعويل على التوقيت السياسي وحده لتحقيق تسوية دون معالجة جوهرية للأسباب التي فجّرت الصراع، قد يؤدي إلى اتفاق هش أو مؤقت، سرعان ما ينهار تحت وطأة الميدان.
جدوى جهود الوساطة مرهونة بثلاثة شروط أساسية: أولاً، توفر إرادة حقيقية لدى إسرائيل و”حماس” لوقف الحرب وتقديم تنازلات متبادلة؛ ثانياً، توسيع دائرة الوساطة لتشمل قوى إقليمية مؤثرة قادرة على توفير الضمانات؛ وثالثاً، ربط الحل الإنساني بحل سياسي مستدام يُنهي حالة الاحتلال والحصار.
وفي الوقت الذي تستمر فيه هذه الجهود، لا بد من التنويه أن الوضع الإنساني في غزة لا يحتمل التأجيل، وأن أي تأخير في التوصل إلى تهدئة سيضاعف من حجم الكارثة، ويزيد من تعقيد فرص النجاح في المستقبل.