في خطوة وُصفت بأنها بداية لتحول سياسي واقتصادي كبير، أعلنت دمشق عن خطة تهدف إلى تصفير مشاكلها الخارجية مع نهاية العام الجاري، وذلك بعد أيام قليلة من القرار الأميركي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وصفتها الحكومة السورية بأنها “تاريخية وبداية صفحة جديدة” في العلاقات الدولية.
وأعرب قتيبة إدلبي، مدير الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية السورية، عن تفاؤله بالمرحلة القادمة، مشيراً إلى أن القرار الأميركي جاء ثمرة “جهود دبلوماسية سورية حثيثة”، وأنه يمثل نقطة انطلاق نحو اندماج تدريجي لسوريا في المجتمع الدولي بعد سنوات طويلة من العزلة والعقوبات.
السوريون يحتفلون.. والأمل يعود إلى الشارع
لم يكن إعلان القرار الأميركي مجرد خبر رسمي، بل تحول إلى مشهد شعبي داخل سوريا، حيث خرج عشرات السوريين للاحتفال في ساحة الأمويين وسط دمشق، تعبيراً عن الأمل بانفراجة اقتصادية واجتماعية قد تنهي سنوات من الضيق المعيشي والعزلة السياسية.
ورُفعت الأعلام السورية، وترددت هتافات مرحبة بقرار الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب، في وقت بدت فيه شوارع العاصمة أكثر حيوية، وسط توقعات بأن يكون لهذا الانفراج أثر مباشر على الحياة اليومية للمواطنين.
الاقتصاد السوري.. المستفيد الأول
وزير المالية السوري محمد يسر برنية وصف القرار الأميركي بـ”الخطوة الكبيرة والمهمة”، مشيراً إلى أن رفع العقوبات سيسمح بضخ استثمارات جديدة، ويمنح الاقتصاد السوري فرصة للتعافي من تداعيات الحصار والعقوبات التي فرضت خلال السنوات الماضية.
وأكد الوزير أن الحكومة تعمل على استغلال هذه الفرصة إلى أقصى حد، من خلال إصلاحات مالية ومؤسسية، وتعزيز الإدارة المالية العامة، ودعم الشفافية ومكافحة الفساد، مما قد يسهم في استعادة الثقة الدولية والمحلية في الاقتصاد السوري.
بوادر انفتاح سياسي ودبلوماسي
ترافق الحديث عن تصفير المشاكل الخارجية مع نشاط دبلوماسي متزايد من قبل الحكومة السورية، حيث تسعى دمشق لإعادة فتح القنوات السياسية مع العديد من العواصم الغربية، والاستفادة من التغيرات الإقليمية والدولية لصالح إعادة تموضعها كلاعب فاعل في المنطقة.
ويؤكد مراقبون أن الانفراجة الأميركية قد تمهد لتقارب مع الاتحاد الأوروبي، وفتح ملفات التعاون الاقتصادي والإغاثي، وربما المساهمة في جهود إعادة الإعمار، وهي الملفات التي طالما كانت معلقة بسبب العقوبات والتوترات السياسية.
تحديات لا تزال قائمة
ورغم الأجواء الإيجابية، فإن الطريق أمام دمشق ليس مفروشاً بالورود، فهناك تحديات كبيرة ما تزال قائمة، تتعلق بالمفاوضات السياسية الداخلية، وملف اللاجئين، ووجود قوات أجنبية على الأرض، إلى جانب الحاجة إلى إصلاحات هيكلية في الإدارة والاقتصاد.
ويرى محللون أن رفع العقوبات هو خطوة أولى، لكن الاستقرار المستدام يتطلب توافقاً داخلياً وإصلاحات سياسية واقتصادية جادة، حتى تتمكن سوريا من استعادة مكانتها الإقليمية والدولية بثقة وثبات.
هل تنجح دمشق في التصفير؟
الرهان السوري على تصفير المشاكل الخارجية بحلول نهاية 2025 يبدو طموحاً، لكنه يلقى ترحيباً حذراً من الأطراف الدولية، التي تشترط خطوات إصلاحية واضحة في الملفات السياسية وحقوق الإنسان.
في المقابل، تعوّل دمشق على متغيرات إقليمية متسارعة، وعلى انفتاح قوى كبرى على التعاون المشروط، مما يجعل الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مسار البلاد، ومدى نجاحها في تحويل القرار الأميركي إلى نقطة تحول فعلية، وليست فقط فرصة ضائعة.
وفي النهاية، هل يكون قرار رفع العقوبات هو بداية لانفراجة سورية شاملة؟، أم أن طريق التصفير سيكون مليئاً بالعقبات الإقليمية والدولية؟.. الإجابة في القادم من الشهور، حيث يترقب السوريون ومعهم المجتمع الدولي، ما إذا كانت دمشق قادرة على تغيير المعادلة واستعادة موقعها على خارطة السياسة العالمية.