في خطوة تُنذر بتعقيد إضافي في ملف إيران النووي، صدّق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان رسميًا، اليوم الأربعاء، على قانون يُعلّق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك في أعقاب هجمات جوية نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة على منشآت نووية إيرانية خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا.
القرار يأتي بعد أن صوّت البرلمان الإيراني بأغلبية ساحقة لصالح مشروع القانون، في وقت يزداد فيه الغضب الشعبي والسياسي داخل إيران من ما وصفوه بـ”الصمت الدولي” تجاه استهداف منشآتهم السيادية.
خلفيات القرار: اتهامات بـ”فقدان المصداقية”
قال رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، إن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقدت مصداقيتها الدولية بعدما امتنعت عن إدانة الهجمات على منشآتنا النووية”، مضيفًا أن تعليق التعاون معها هو إجراء دفاعي لضمان أمن البرنامج النووي السلمي.
وشدد قاليباف على أن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ستسرّع الآن من وتيرة تطوير برنامجها النووي.
حظر دخول المفتشين الدوليين
وبحسب علي رضا سليمي، عضو هيئة رئاسة البرلمان، فإن القانون الجديد يمنع دخول مفتشي الوكالة الذرية إلى المنشآت الإيرانية، ما لم يتم أولًا توفير ضمانات أمنية حقيقية لهذه المواقع الحساسة.
ويعد هذا القرار واحدًا من أخطر التحديات التي تواجه النظام الرقابي الدولي على الأسلحة النووية منذ توقيع اتفاقية حظر الانتشار النووي.
ردود دولية وتحذيرات من “الفراغ الرقابي”
المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أعرب عن قلقه العميق من تعليق إيران تعاونها مع المفتشين، مؤكدًا أن “الاستمرار في مراقبة البرنامج النووي الإيراني أمر حاسم لمنع تصعيد لا يمكن السيطرة عليه”.
وقال غروسي: “المجتمع الدولي لا يمكن أن يقبل فراغًا في التفتيش، ونأمل في استئناف التعاون في أقرب وقت ممكن”.
أضرار جسيمة في فوردو.. وإيران تقيم الوضع
في السياق ذاته، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن القصف الأميركي على منشأة فوردو النووية ألحق بها “أضرارًا جسيمة وفادحة”، مضيفًا أن منظمة الطاقة الذرية في طهران تُجري حاليًا تقييمًا دقيقًا لحجم الخسائر، وستقدم تقريرًا رسميًا للحكومة.
وأشار عراقجي في حديث لقناة CBS الأميركية إلى أن “ما جرى في فوردو غير مسبوق، ويجب أن يُقابل برد صارم ومناسب”.
ورغم تصريحات طهران عن حجم الدمار، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، نقلًا عن مصادر استخباراتية أميركية، أن الاتصالات الإيرانية التي تم اعتراضها قللت من شأن التأثيرات الفعلية للهجوم، ما يشير إلى وجود تباين كبير في تقييم الطرفين لحجم الضرر.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب قد صرّح بأن الضربات “قضت كليًا على برنامج إيران النووي”، بينما يرى مسؤولون في البنتاغون أن تقييم الأضرار الحقيقية ما يزال قيد الدراسة.
إيران تتجه نحو تخفيف التزاماتها الدولية
يأتي هذا التصعيد الإيراني في وقت ترتفع فيه الأصوات داخل طهران مطالبةً بـ”إعادة النظر” في الالتزام بمعاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، معتبرين أن التزام إيران لم يُقابل باحترام لسيادتها أو أمن منشآتها.
ويرى مراقبون أن تعليق التعاون مع الوكالة الدولية قد يكون تمهيدًا لخروج تدريجي من المعاهدة نفسها، وهو ما سيحوّل الملف الإيراني إلى مواجهة مفتوحة مع الغرب والمجتمع الدولي.
إلى أين يتجه الملف النووي الإيراني؟
تصعيد طهران الأخير يعكس تغيّرًا في قواعد اللعبة، إذ لم تعد إيران تقبل بإطار التعاون السابق، بل أصبحت تشترط الضمانات الأمنية قبل أي فتح للأبواب أمام المفتشين الدوليين.
وفي ظل تهديدات غير مباشرة من قادة عسكريين إيرانيين بـ”الرد الاستراتيجي”، يبقى السيناريو المقبل غامضًا، ومفتوحًا على احتمالات خطيرة تشمل سباق تسلح، أو تصعيد عسكري أوسع في المنطقة.