بدأ المغرب فعليًا أولى خطواته التنفيذية في مشروع أنبوب الغاز المغربي–النيجيري، وهو المشروع الذي ظل طويلاً في طور الدراسات التقنية والاستراتيجية، قبل أن ينطلق ميدانيًا عبر تخطيط لوجستي لربط ميناء الناظور شمالًا بميناء الداخلة جنوبًا، في ما اعتُبر خطوة حاسمة نحو ترجمة المشروع إلى واقع بنيوي يعزز موقع المغرب في معادلات الطاقة الإقليمية.
ورغم أن التمديد الفعلي للأنبوب لم ينطلق بعد، فإن التحضيرات الجارية، التي تشمل التهيئة المينائية وتسهيل تدفق المعدات واللوجستيات، تمثل انتقالًا واضحًا من مرحلة التصور إلى مرحلة الإعداد العملي، وتُعَد مؤشراً على الجدية التي تتعامل بها الرباط مع هذا المشروع الذي سيساهم في إحداث تحوّل استراتيجي في علاقة أفريقيا بأوروبا على صعيد الغاز الطبيعي.
استثمار بقيمة 6 مليارات دولار: بداية الربط من الداخل
وزيرة الانتقال الطاقي المغربية، ليلى بنعلي، أعلنت من فيينا خلال مشاركتها في ندوة منظمة “أوبك”، عن إطلاق استثمار ضخم بقيمة 6 مليارات دولار لربط الناظور بالداخلة، مشيرة إلى أن هذه المرحلة ليست مجرد تحسين داخلي للبنية التحتية، بل تأسيس لمحور طاقي قاري سيمتد تدريجياً باتجاه موريتانيا والسنغال، ثم يعزز الاتصال مع أوروبا، ما يضع المغرب في قلب خارطة الغاز الأطلسي.
ويأتي ذلك متزامنًا مع اجتماعات رفيعة المستوى انعقدت بالرباط يومي 10 و11 يوليو، جمعت ممثلي كل من المغرب ونيجيريا وتوغو، تم خلالها توقيع مذكرة تفاهم جديدة ضمن سلسلة من التفاهمات التأسيسية التي تقود نحو تفعيل البنية القانونية والتقنية للمشروع.
اتفاقات عبور واستعداد لصيغة نهائية في 2025
بحسب مديرة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، أمينة بنخضرة، فإن سنة 2025 ستشهد دخول المشروع مرحلة حاسمة عبر الانتهاء من التوقيع على الصيغة النهائية للاتفاق بين دول العبور، وذلك بعد اكتمال الدراسات التقنية والبيئية والمالية اللازمة. وأضافت أن التفاوض مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس) وموريتانيا أفضى إلى توافقات رئيسية تتيح إطلاق ما يُعرف بـ”الشركة ذات الغرض الخاص”، التي ستقود التنفيذ العملي للمشروع.
ممر جديد للطاقة بين الأطلسي والمتوسط
المشروع لا يمثل مجرد بنية تحتية، بل تحوّلًا جيوسياسيًا في معادلة الطاقة الإفريقية–الأوروبية. الربط بين نيجيريا – سابع أكبر مصدر للغاز في العالم – وشبكة الأنابيب الأوروبية عبر المغرب سيعيد رسم مسارات تدفق الغاز بعيدًا عن الممرات التقليدية، خصوصًا مع تراجع الاعتماد على الغاز الروسي بعد الحرب في أوكرانيا.
وبالنسبة للرباط، فإن إدماج الأقاليم الجنوبية في الشبكة الطاقية الداخلية عبر هذا الربط يُعد خطوة ذات رمزية سياسية وتنموية قوية، تؤكد وحدة التراب الوطني وتكرّس رؤية المغرب للجنوب كمركز اقتصادي محوري.
زخم دبلوماسي وثقة دولية متنامية
محمد بودن، الخبير في الشؤون الجيوسياسية، اعتبر أن المشروع يمنح المغرب دفعة قوية داخل القارة الإفريقية، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل أيضًا في ميزان القوى السياسي، حيث يظهر كفاعل أفريقي موثوق به، قادر على إطلاق مشاريع استراتيجية عابرة للحدود.
وأضاف بودن أن الشراكة مع نيجيريا – أحد أكبر الاقتصادات في القارة – تمنح المشروع بعدًا إفريقيًا حقيقيًا، خاصة وأن دولًا مثل السنغال وموريتانيا وغينيا بدأت تعلن رسميًا عن دعمها له، وهو ما يعزز الثقة الإقليمية ويجعل من الأنبوب مشروعًا قاريًا مشتركًا بدل أن يكون مبادرة أحادية.
أنبوب الغاز المغربي–النيجيري: مشروعٌ أكبر من أن يكون اقتصاديًا فقط
إذا كان المشروع يُعد من الناحية التقنية واللوجستية إنجازًا ضخمًا، فإن أبعاده تتجاوز الاقتصاد نحو ترسيخ دور المغرب كهمزة وصل بين القارة الإفريقية والاتحاد الأوروبي في مرحلة تعيد فيها الدول ترتيب أولوياتها الطاقية. وفي ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، بات المشروع ورقة طاقية ودبلوماسية بامتياز، تعكس تحول الرباط إلى مركز ثقل في النقاش الإقليمي والدولي حول مستقبل الطاقة والربط القاري.
ومع اقتراب صدور القرار الاستثماري النهائي نهاية 2025، تتجه الأنظار نحو الرباط وأبوجا لرؤية كيف سيتم تفعيل هذا الحلم الأفريقي المشترك، وسط تحديات تقنية كبيرة، ورهانات سياسية واقتصادية لا تقل أهمية.