في تطور جديد ولافت على صعيد العلاقات السورية – الإسرائيلية، بدأت تل أبيب في الترويج لاحتمال التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا قبل نهاية عام 2025، وذلك وسط تزايد المؤشرات على وجود مفاوضات غير مباشرة تجري برعاية إقليمية ودولية.
ورغم ذلك، لا تزال دمشق تتعامل بحذر مع هذا التفاؤل الإسرائيلي، وتعتبر أن الوقت غير مناسب لاتفاق سلام دائم، مكتفية بالتلميح إلى احتمال العودة لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 أو صيغة أمنية معدلة.
مفاوضات غير مباشرة تجري بوساطة إقليمية ودولية
بحسب مصادر سورية مطلعة تحدثت لصحيفة “الشرق الأوسط”، فإن المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين بدأت منذ أشهر، وتُدار برعاية أطراف إقليمية بارزة ودولية فاعلة في الملف السوري.
تُجرى هذه المحادثات ضمن أطر سرية، وتتناول قضايا تتعلق بالأمن الحدودي، ومستقبل الجولان المحتل، وتخفيض التوترات العسكرية على الخط الفاصل بين الطرفين.
ورغم الضجيج الإعلامي، تؤكد المصادر السورية أن التفاوض لا يعني القبول بتطبيع شامل في الوقت الراهن، وإنما محاولة لإدارة الأزمة الأمنية ومحاصرة احتمالات التصعيد.
إسرائيل: السلام مشروط ببقاء الجولان “تحت السيادة الإسرائيلية”
من جانبها، لم تخفِ إسرائيل طموحها في ضم سوريا إلى موجة التطبيع الإقليمي التي شهدت انضمام عدد من الدول العربية مؤخرًا.
ونقلت قناة “آي 24 نيوز” الإسرائيلية عن “مصدر سوري مطلع” أن اتفاق السلام “بات قريبًا”، وقد يُوقّع قبل نهاية 2025. هذه التصريحات علّق عليها وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بالقول: “نحن لا نستبعد تطبيعاً مع سوريا، ولكن بشرط واضح؛ أن تبقى الجولان بأيدينا”.
تصريحات ساعر أعادت التأكيد على تمسّك تل أبيب بالجولان السوري المحتل، ما يجعل من مسألة السلام مسارًا معقّدًا مليئًا بالألغام السياسية، خاصة وأن سوريا تعتبر الجولان “قضية سيادة لا يمكن التنازل عنها”.
دمشق: لسنا جاهزين لسلام دائم… ونفضّل ترتيبات أمنية
على الطرف الآخر، ترى مصادر قريبة من الحكومة السورية أن الظروف الإقليمية والداخلية تجعل من الصعب توقيع اتفاق سلام شامل في هذه المرحلة.
وتؤكد هذه المصادر أن الأولوية الحالية هي لخفض التوترات وضمان الاستقرار على الحدود، وليس لتطبيع دبلوماسي شامل.
كما تحدثت عن أن سوريا “كدولة خارجة من حرب طويلة لا تزال تعاني من تحديات داخلية وأزمات سياسية واقتصادية”، وبالتالي فإن الحديث عن تطبيع دبلوماسي لا يعكس الواقع السوري ولا الأولويات الحالية للنظام.
أدوار لروسيا ودول عربية… هل نشهد تسوية مؤقتة؟
تشير معلومات من مصادر دبلوماسية إلى أن موسكو تلعب دورًا في تسهيل المحادثات، بالتوازي مع دور تقوم به دولة عربية كبرى تجمعها علاقات جيدة مع الطرفين.
ويُعتقد أن هذه الوساطات تركز على بناء “تفاهمات أمنية” بدلاً من اتفاقية سلام رسمية، وذلك لتهيئة الأجواء تدريجياً لأي تقارب مستقبلي.
وتقترح بعض المبادرات العودة إلى تفاهمات 1974 التي ضمنت نوعًا من الاستقرار على الحدود لعقود، دون الدخول في إشكاليات الاعتراف المتبادل أو ملف الجولان.
خلاصة المشهد: السلام بعيد.. والتفاوض واقعي
رغم الأجواء التي تحاول إسرائيل الترويج لها، يبدو أن الواقع أكثر تعقيداً. فبين تصريحات متفائلة في تل أبيب وتحفظات حذرة في دمشق، تبقى فرص السلام الشامل محدودة في المدى القصير، بينما قد تثمر المحادثات الجارية عن تفاهمات أمنية جزئية تهدف إلى إدارة التوتر بدلاً من حله جذريًا.
السؤال المفتوح الآن: هل تشهد المنطقة “سلام الضرورة” بدلاً من “سلام القناعة”؟ الإجابة ستتضح مع نهاية العام، ومعرفة مدى جدية الأطراف في تجاوز الخطوط الحمراء التاريخية.