تشهد الساحة السياسية اليمنية حالة من القلق والجدل، بعد تفجر توترات حادة داخل مجلس القيادة الرئاسي الذي شكّل في أبريل/نيسان 2022 كهيئة انتقالية خلفاً للرئيس عبد ربه منصور هادي.
ويبدو أن التصدعات في هذا المجلس –الذي يضم ثمانية أعضاء يمثلون مختلف القوى اليمنية المناهضة للحوثيين– قد بدأت تطفو إلى السطح بشكل علني، في وقت حساس تعاني فيه البلاد من انسداد سياسي وعسكري واقتصادي.
تصاعد الخلاف بين العليمي وطارق صالح
جذور الأزمة الأخيرة تعود إلى خلافات حادة بين رئيس المجلس، رشاد العليمي، والعضو البارز طارق محمد عبد الله صالح، قائد “المقاومة الوطنية” المدعومة إماراتياً.
ففي بيان رسمي صادر عن المكتب السياسي التابع لطارق صالح، وجّهت اتهامات مباشرة للعليمي بـ”الإقصاء المتعمّد”، و”التفرد بالقرارات”، في سلوك اعتبره البيان “تقويضاً لمبادئ الشراكة التي تأسس عليها المجلس”.
وعززت هذه الاتهامات حملة إعلامية شرسة شنها إعلاميون وناشطون محسوبون على طارق، في محاولة واضحة للضغط السياسي والإعلامي على رئيس المجلس.
العليمي يعترف بالخلافات ويؤكد التماسك
وفي أول رد فعل رسمي، اعترف رئيس المجلس رشاد العليمي بوجود تباينات داخل المجلس، لكنه قلل من خطورتها، قائلاً إن “مكونات المجلس تتنافس من أجل صدارة المعركة ضد جماعة الحوثي”، مؤكداً أن وحدة المجلس وتماسكه لا تزال قائمة.
وفي تصريح نقلته وكالة “سبأ” الرسمية، شدد العليمي على أن “هناك بعض المكاسب المهمة” التي تم تحقيقها رغم الخلافات، مشيراً إلى أن المجلس لا يزال يلتف حول “هدف مشترك وعدو مشترك”.
تعليق الاجتماعات وتغيب الأعضاء
مصادر سياسية يمنية كشفت عن أن اجتماعات مجلس القيادة الرئاسي قد توقفت منذ أسابيع بسبب تزايد حدة الخلافات. وأشارت تلك المصادر إلى أن ستة من أعضاء المجلس باتوا يقيمون بشكل شبه دائم في الرياض وأبو ظبي، ما يعقّد إمكانية انعقاد جلسات دورية للمجلس سواء داخل اليمن أو خارجه.
ويعزو مراقبون هذا الجمود المؤسسي إلى غياب التنسيق وانعدام الثقة بين الأعضاء، فضلاً عن تدخلات إقليمية مختلفة في توجهات كل طرف داخل المجلس.
أزمة الثقة وتدوير الرئاسة
الخلاف بلغ ذروته عند طرح بعض الأعضاء لمقترح “تدوير رئاسة المجلس” كوسيلة لإصلاح المسار وضمان عدم استئثار جهة واحدة بالقرار. لكن العليمي، وفق المصادر، تجاهل هذا الطرح واستمر في عقد لقاءات وقرارات أحادية مع هيئات جديدة تم استحداثها عقب نقل السلطة في 2022، دون الرجوع إلى باقي الأعضاء.
كما أُشير إلى قيامه باستقطاب شخصيات سياسية من خارج المجلس، وهو ما فُسّر على أنه محاولة لتوسيع نفوذه السياسي على حساب الشراكة.
انقسام سياسي في لحظة حرجة
يأتي هذا التوتر في وقت تواجه فيه الحكومة المعترف بها دولياً تحديات كبرى في إدارة الملف العسكري ضد جماعة الحوثي، وسط جمود في جبهات القتال، وتدهور الأوضاع المعيشية، واحتقان شعبي متزايد في مناطق سيطرتها.
ويرى محللون أن استمرار الانقسامات داخل مجلس القيادة قد يؤدي إلى شلل مؤسسي ينعكس سلباً على المسار السياسي بأكمله، ويفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة قد تشمل انهيار الاتفاقات الهشة القائمة حالياً بين المكونات المناهضة للحوثيين.
أزمة بحاجة إلى تدخل عاجل
مع استمرار الخلافات وتجميد الاجتماعات وغياب أعضاء المجلس، يبدو أن مجلس القيادة الرئاسي يمرّ بأخطر مراحله منذ تأسيسه. وهو ما يطرح تساؤلات جوهرية عن جدوى بقائه، وقدرته على إدارة مرحلة انتقالية معقدة في بلد تتقاذفه الحروب والانقسامات منذ نحو عقد.. فهل تتدخل الأطراف الإقليمية الداعمة لتقريب وجهات النظر؟ أم أن المجلس يسير نحو التفكك؟.. الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.