في البداية أتمنى أن تكون وجهة نظري خاطئة، وأن نشهد ردا إيرانيا على العربدة الإسرائيلية في المنطقة العربية، وهنا أستهل حديثي بالسؤال هل نتوقع ردا إيرانيا كبيرا حاسما على اغتيال إسرائيل لرئيس حماس إسماعيل هنية في طهران؟ هذا سؤال موجّه إلى كل شخص مازال يترقب رسائل الحرس الثوري الإيراني والذي يهدد بالرد الساحق، ويتابع تهديدات خامنئي وجميع المسؤولين في طهران المتكررة هل ستترجم وبالا على تل أبيب وحيفا، وأن الأمر قد يصل إلى مشاركة حزب الله في رد رادع لإسرائيل حتى لا تكرر عمليات الاغتيال بحق القادة.
لكن، لنا في التاريخ القريب خير شاهد حينما اغتالت إسرائيل بمساعدة أمريكية رئيس الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، جميعنا شاهد التهديدات الإيرانية بسحق تل أبيب، ورأينا كيف كان الرد الصاروخي الباهت، حيث تم استهداف قاعدتين للقوات الأميركية غرب العراق وشماله، أدت إلى حدوث أضرار في القاعدتين وإصابات “طفيفة” بين الجنود الأميركيين، ولم ننس الرد الإيراني في أبريل الماضي على قصف قنصليتها بالعاصمة السورية دمشق، حيث أطلقت بضع المسيرات والصواريخ باتجاه إسرائيل لم تحدث ضررا كبيرا في أي موقع تم استهدافه، لذلك لابد أن نكون واضحين، إن “هنية”، لن يكون أغلى على إيران من سليماني أو من قنصليتها المقصوفة، فلا أعتقد أن التأمل كثيرا في الرد الإيراني سيشفي آمالنا، بل علينا أن نخفف من سقف توقعاتنا فالرد سيكون باهتا مثل سابقه.
الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، هي أن معركة إسرائيل بالنسبة لنا هي معركة وجود وبقاء، وتختلف تماما عن معركة ايران في المنطقة، التي يمكن وصفها بأنها معركة مصالح ونفوذ وتحالفات، وهذه قاعدة لابد من فهمها تماما، حتى نعرف إلى أين نحن ذاهبون وكيفية إدارة الصراع، ففي الوقت الذي ندفع فيه نحن الفلسطينيون الثمن من دمائنا ودمار بيوتنا وفقدان الآلاف من أبنائنا، تستخدمنا إيران لصالح مشروعها في المنطقة فقط، فنحن بالنسبة لها مجرد حطب ووقود تشعل به المنطقة حتى تصل لمبتغاها ومصالحها، وإسرائيل ليس أمامها خيار سوى استخدام القوة المميتة للحفاظ على وجودها.
بعيدا عن العواطف، نحن بحاجة فورية للذهاب نحو وحدة وطنية وترتيب أولوياتنا وتحالفاتنا وقراءة الواقع بشكل أفضل، فعدونا قد ضرب كل الثوابت والمسلمات التي كانت في داخل عقولنا منذ سنوات طويلة، فهي تواصل إبادة غزة الأسطورية، واغتالت رئيس حركة حماس، ثم ها هي اليوم تضرب طهران “مركز المحور” وتمارس الاغتيالات على أرضها دون حسيب ولا رقيب، ثم تضرب الضاحية الجنوبية بلبنان مركز حزب الله وتغتال كل يوم شخصية كبيرة في الحزب.
فإذا كانت إيران على قدر من المسؤولية وتحترم سيادتها لخرجت منذ لحظة العملية على الأقل بلجنة تحقيق وأشركت الجميع بنتائجها، كما حدث في الإمارات 2010 عندما تم قتل محمود المبحوح، وفي تركيا 2018 عندما تم قتل جمال خاشقجي.
إذن، ما المطلوب منا كفلسطينيين حاليا، المطلوب هو أن نتأكد بأن مشوار التحرير طويل وأن صراعنا مع الاحتلال مستمر، وأننا لابد من الحفاظ على ما تبقى من وجودنا، والسعي بكل طريقة حتى لا ننقرض ونخرج من الجغرافيا وتموت القضية.. لا تتأملوا كثيرا ولا تكابروا ولا تعاندوا لنعود إلى ما كنا عليه حيث استطعنا للحياة سبيلا..