أمر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، بتعليق إصدار التأشيرات الدراسية وتأشيرات برامج التبادل التعليمي، إلى حين إشعار آخر، في وقت تتحضر فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب لتوسيع عمليات الفحص الإجباري لحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمتقدمين.
القرار، الذي ورد في وثيقة داخلية صادرة عن وزارة الخارجية، واطّلعت عليها وكالة “فرانس برس”، دعا السفارات والقنصليات الأميركية في مختلف أنحاء العالم إلى الامتناع عن تحديد أي مواعيد جديدة لطلبات التأشيرات التعليمية، بانتظار توجيهات إضافية لم يُحدَّد موعدها.
فحص رقمي بلا معايير واضحة
وبحسب ما تضمنته الوثيقة، فإن هذا التعليق يأتي “استعداداً لتوسيع متوقع لعمليات الفحص الإلزامي لحسابات التواصل الاجتماعي”، من دون توضيح الإطار الدقيق أو المعايير التي ستُعتمد في هذا التدقيق. لكنها أحالت في مضمونها إلى أوامر تنفيذية مرتبطة بمكافحة “الإرهاب” و”معاداة السامية”، وهي إشارات فضفاضة فتحت الباب أمام تكهنات واسعة بشأن المستهدفين الحقيقيين.
ورغم أن واشنطن سبق أن أقرت إجراءات رقابية على حسابات الطلاب منذ سنوات، إلا أن التركيز السابق كان منصباً على حالات محددة، لطلاب شاركوا في أنشطة سياسية مناهضة لإسرائيل، ولا سيما خلال احتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، ما أثار تساؤلات حقوقية وقانونية بشأن حياد المؤسسات القنصلية، وحرية التعبير للطلاب الأجانب.
علم فلسطين تحت المجهر؟
ردود الأفعال داخل أروقة وزارة الخارجية لم تتأخر، إذ نقل موقع “بوليتيكو” عن موظفين دبلوماسيين قولهم إن الغموض الذي يكتنف القرار يُثير قلقاً واسعاً. وأشار عدد منهم إلى خشيتهم من أن يؤدي تطبيقه إلى استهداف غير مبرر للطلاب على خلفية منشورات شخصية أو رمزية، حتى ولو كانت لا تحمل أي طابع تحريضي.
وتساءل أحد الموظفين، في حديث نقله الموقع الأميركي، ما إذا كان مجرد مشاركة صورة لعلم فلسطين على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) قد يؤدي إلى إخضاع الطالب لفحص أمني مشدد، في ظل غياب تعريف قانوني واضح لمصطلحي “التطرّف” أو “معاداة السامية” كما وردا في التعليمات الجديدة.
انتقادات متوقعة واستقطاب سياسي
من المتوقع أن يثير القرار موجة من الانتقادات من قبل منظمات حقوقية وتعليمية، خاصة أن التعليق يأتي في وقت حساس، قبيل أشهر من انطلاق العام الدراسي الجديد في معظم الجامعات الأميركية. وتخشى المؤسسات الأكاديمية من أن تؤدي هذه السياسة إلى عزوف الطلبة الأجانب عن التقديم إلى الولايات المتحدة، ما قد يُلحق ضرراً كبيراً بالنظام التعليمي الأميركي الذي يعتمد بشكل كبير على التنوع الدولي.
وفي المقابل، قد يجد هذا التوجه ترحيباً في أوساط القاعدة الانتخابية الجمهورية، التي تطالب منذ سنوات بتشديد الرقابة على الهجرة والتعليم، بذريعة حماية الأمن القومي ومكافحة التسلل “الأيديولوجي” عبر الجامعات.
نحو رقابة رقمية موسعة؟
تُظهر التطورات الأخيرة توجهاً متسارعاً لدى إدارة ترامب نحو بناء منظومة رقابة رقمية تُخضع المتقدمين إلى الولايات المتحدة لفحوصات أيديولوجية وسلوكية مسبقة، تحت غطاء مكافحة “الإرهاب” و”التطرف المعادي”. وبينما لم تعلن الإدارة عن جدول زمني لاستئناف طلبات التأشيرات، فإن تأخر صدور التوجيهات الجديدة قد يُعقّد فرص الطلاب الراغبين في اللحاق بالفصل الدراسي المقبل.
وفي ظل غياب الشفافية والمعايير، فإن المخاوف تتعاظم من أن تتحول منصات التواصل الاجتماعي إلى أداة تصنيف أمني للطلاب، تُحدد مصير طلباتهم الدراسية بناءً على آرائهم أو رموز تضامنهم، لا على مؤهلاتهم الأكاديمية أو سجلهم الشخصي.
وبينما تلوح في الأفق حملة قانونية محتملة للطعن في القرار، تبقى الجامعات والمجتمع الأكاديمي في انتظار توضيحات رسمية، فيما يتخوف آلاف الطلاب حول العالم من أن تُغلق في وجوههم بوابة الحلم الأميركي تحت وطأة سياسة رقمية تتجاوز الأسوار التقليدية للهجرة.