توقيف ثلاثة إسرائيليين بتهمة التخابر مع الاستخبارات الإيرانية يعكس تحولًا نوعيًا في مشهد التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل من الداخل، وهو تطور يثير قلق المؤسسة الأمنية في ظل تصاعد حالة عدم الثقة والتوتر الداخلي التي تعيشها البلاد منذ حرب غزة. فأن يكون المتورطون في قضايا تجسس ليسوا عربًا أو فلسطينيين، بل إسرائيليين يهود من غور الأردن وطبريا، فهذا يسلط الضوء على اختراق أكثر تعقيدًا من مجرد عمليات استخبارية تقليدية.
اختراق إسرائيل
جهاز “الشاباك” لم يكتفِ بإعلان القضايا، بل أرفقها بتفاصيل تُشير إلى عمق الاختراق: مهام ميدانية، نقل قنابل، تصوير مواقع أمنية، وتخطيط لاغتيالات. المقلق أكثر هو أن هذه المهام لم تقتصر على جمع المعلومات، بل شملت استعدادًا لتنفيذ عمليات مباشرة داخل إسرائيل، ما يعني أن النشاط الإيراني تجاوز الاستطلاع إلى التخطيط الهجومي عبر عملاء من صلب المجتمع الإسرائيلي.
التوقيت ليس عرضيًا، فالعملية تأتي في ذروة توتر غير مسبوق تعيشه إسرائيل على المستوى العسكري في غزة، والسياسي داخليًا، وفي ظل تصعيد مستمر مع طهران على مختلف الجبهات، من سوريا إلى البحر الأحمر. وبالتالي، فإن الاتهام بالتخابر مع إيران لم يعد يُستخدم فقط ضد أعداء تقليديين، بل أصبح يطال دوائر يفترض أنها “آمنة” داخل العمق الإسرائيلي.
ثغرات في البنية الأمنية
ما يثير الانتباه في هذه القضايا أيضًا هو الجانب التقني: تصوير عملية اعتراض صاروخي إسرائيلي خلال عملية عسكرية، ونقل البيانات إلى طهران، يُشير إلى سعي إيران الحثيث لفهم قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلي، وربما اختبارها في سياق المواجهة الأوسع. كما أن الطلب من متهمَين بالسفر إلى دولة ثالثة لتلقي تدريبات يُعيد إلى الأذهان نمطًا من العمليات التي استخدمها “فيلق القدس” في تجنيد عملاء غير نمطيين لتنفيذ اغتيالات في دول أوروبية وآسيوية.
البيان الرسمي أشار إلى أن هذه القضايا هي جزء من شبكة أكبر، إذ تم الإعلان سابقًا عن تفكيك 23 خلية تجسس منذ أكتوبر 2023، ما يدل على أن هناك عملية متواصلة ومتصاعدة لاختراق البيئة الإسرائيلية. هذا التزايد لا يُعزى فقط إلى القدرات الإيرانية، بل يكشف عن وجود ثغرات في البنية الأمنية والمجتمعية، وعن قابلية بعض الأفراد للاستقطاب، سواء لدوافع مالية أو أيديولوجية أو حتى احتجاجًا على السياسات الداخلية.
الحرب الاستخباراتية
الأخطر من كل ذلك، أن التخابر لم يعد يقتصر على تسريب معلومات، بل امتد إلى تنفيذ مهام شبه عسكرية، وهو ما يدفع المؤسسة الأمنية إلى إعادة تعريف “العدو الداخلي” وتحديث أنماط الرقابة والوقاية، حتى داخل المجتمع اليهودي نفسه.
هذه القضايا تحمل رسالة مزدوجة: لطهران مفادها أنها قادرة على اختراق الداخل الإسرائيلي رغم كل التحصينات، ولإسرائيل تنبيه خطير بأن الحرب الاستخباراتية لم تعد فقط على الجبهات التقليدية، بل داخل الأحياء والبيوت، وربما بين الجنود والمواطنين الذين يحملون هويات الدولة، لكن يتصلون بخصومها.