في اليوم الـ97 من استئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تغدو الأرقام أكثر من مجرد إحصاءات؛ إنها شواهد دامغة على حرب إبادة مستمرة، تُدار بمنهجية عنف ممنهجة لا تميز بين مقاتل ومدني، بين طفل وجائع، وبين الحياة والموت. استشهاد 29 فلسطينيًا في ساعات قليلة، بينهم 6 كانوا ينتظرون المساعدات، يعكس طبيعة المأساة التي تجاوزت كل حدود السياسة والعسكرة، لتصبح جريمة متكاملة الأركان ضد الإنسانية.
المساعدات الإنسانية مصايد موت
مشاهد الموت في غزة لم تعد استثناءً، بل نمطًا يوميًا يُمارَس بدم بارد، تحت غطاء عسكري وإعلامي محكَم. فبينما تُعلن إسرائيل استعادة جثامين ثلاثة أسرى، تصمت عن جثث مئات الفلسطينيين التي تُسفك أرواحهم على قارعة الطريق، أو عند أبواب مراكز توزيع المساعدات، أو داخل منازلهم التي حُوّلت إلى مقابر جماعية بفعل القصف العشوائي والممنهج.
الخطورة لا تكمن فقط في عمليات القتل الجماعي، بل في أن هذا القتل يُدار وكأنه إجراء تقني ضمن “إدارة المعركة”، دون أدنى اعتبار لقيم القانون الدولي أو المبادئ الأخلاقية التي تُفترض في أي صراع. وقد تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء حين حولت المساعدات الإنسانية إلى مصايد موت، ذهب ضحيتها 450 شخصًا من المجوّعين، بينما يُسجّل سقوط آلاف الجرحى والمفقودين دون أن يُحرّك العالم ساكنًا.
تدويل المعركة
في هذا السياق، لا يمكن فصل المشهد في غزة عن التصعيد الموازي في الضفة الغربية، حيث تستمر قوات الاحتلال في عمليات اقتحام واعتداء وسرقة علنية، في قرى مثل عتيل وبلعا، بتواطؤ ميداني مباشر مع جماعات المستوطنين المتطرفة. الاعتداءات لم تعد عمليات أمنية عابرة، بل تحولت إلى سياسة يومية لترويع السكان، وتفريغ الأرض من أهلها، وتحقيق مكاسب استعمارية على الأرض تحت غطاء أمني.
أما على المستوى السياسي، فإن إسرائيل توظف الملف الإنساني –بما فيه استعادة جثامين رهائنها– ضمن سردية مدروسة لتبرير استمرار العدوان، وإخفاء المجازر اليومية بحق الفلسطينيين خلف واجهة “إعادة المختطفين” أو “ضمان أمن الحدود”. في الوقت ذاته، يُربط الملف الغزاوي بالتصعيد الإقليمي مع إيران، في محاولة لتدويل المعركة وتحويل الأنظار عن الكارثة المتدحرجة في غزة والضفة الغربية.
مسار تصفوي صريح
في ظل كل ذلك، تغيب المحاسبة الدولية، وتتكرّس معادلة الإفلات من العقاب. فالمجتمع الدولي، المنهمك في حسابات المصالح والتحالفات، يكتفي بمواقف لفظية عاجزة، بينما تُكتب ملامح نكبة جديدة بدماء الأبرياء، على مرأى ومسمع من العالم.
المجازر اليومية لم تعد فصلًا عابرًا من فصول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل تحوّلت إلى نمط ثابت في هندسة السيطرة، ومسار تصفوي صريح يستهدف الوجود الفلسطيني برمّته. والسكوت عن ذلك لم يعد تواطؤًا فقط، بل مساهمة فعلية في صناعة المأساة.