يثير الدور الذي تؤديه “مؤسسة غزة الإنسانية” موجة من الشكوك المتصاعدة، بعد أن باتت هذه الجهة المحاطة بالغموض مركز جدل قانوني وإنساني، بسبب تورطها في عمليات توزيع مساعدات غذائية قُتل على إثرها مئات الفلسطينيين وجرح الآلاف، وفق بيانات رسمية. ومع ازدياد الأصوات الحقوقية المحذرة، تتبلور صورة لمؤسسة تعمل خارج الأطر الإنسانية المعتادة، وبأساليب تثير الريبة بشأن أهدافها الحقيقية ومموليها الفعليين.
التواطؤ في جرائم حرب
البيان الذي وقّعت عليه 15 منظمة حقوقية بارزة، من بينها جهات دولية معترف بها مثل “الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان” و”لجنة الحقوقيين الدولية”، يشكل تطورًا خطيرًا في المشهد الإنساني داخل غزة. فالاتهام بالتواطؤ في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا يُطلق عادة بهذه المباشرة من قبل منظمات دولية إلا عندما تتوفر مؤشرات جدية. وبالنظر إلى حجم الضحايا، والارتباك الذي رافق عمليات توزيع المساعدات، تبدو التساؤلات مشروعة حول ما إذا كانت المؤسسة تعمل وفق أجندة إنسانية فعلًا، أم أن مهامها تتقاطع مع أهداف عسكرية أو أمنية إسرائيلية.
التحفظات الأساسية التي عبّرت عنها المنظمات الحقوقية تدور حول طبيعة المؤسسة: جهة خاصة، ممولة من مصادر غير واضحة، ومدعومة بشكل مباشر من الولايات المتحدة وإسرائيل، وتعمل بشكل منفصل عن المنظومة الأممية أو الدولية التقليدية، التي تخضع عادة لقواعد صارمة من حيث الحياد والشفافية والتوزيع القائم على معايير واضحة. هذا “النموذج الجديد”، بحسب وصف الرسالة، يعكس تحولا مقلقًا في المشهد الإنساني: من تقديم الإغاثة إلى ممارسة النفوذ والسيطرة.
قتل وإصابات في مراكز توزيع المساعدات
من الواضح أن المؤسسة، رغم محاولاتها الدفاع عن نفسها إعلاميًا، باتت عبئًا أخلاقيًا وقانونيًا على الجهات التي ترتبط بها أو تدعمها. فاستمرار القتل والإصابات في محيط مراكز التوزيع، سواء تم ذلك مباشرة من قبل طواقم المؤسسة أو بسبب فوضى تنجم عن أسلوب عملها، يمثل فشلًا ذريعًا في أداء المهمة الإنسانية، إن لم يكن جريمة بحد ذاتها. خصوصًا أن الأرقام التي تنشرها وزارة الصحة – والتي لا تزال الأمم المتحدة تعتبرها ذات مصداقية – تفيد بسقوط 450 شهيدًا و3500 جريح منذ بدء عمليات المؤسسة في مايو، وهو رقم يفوق بكثير أي حادثة إنسانية مماثلة في مناطق نزاع أخرى.
الدور “الخفي” للمؤسسة يكمن في الجمع بين الوظيفة الإنسانية الظاهرة، والأثر الأمني الميداني المبطّن. فتوزيع المساعدات في نقاط محددة، ضمن رقابة مسلحة، ودون تنسيق مع الجهات المحلية أو الأممية، يخلق بيئة قابلة للاستغلال العسكري، سواء للمراقبة أو لجمع البيانات أو حتى للاستدراج والقتل. وهي مخاوف ليست جديدة في سياق الحصار المفروض على غزة، لكنها تأخذ الآن شكلاً مؤسسيًا مموّلًا ومدعومًا دوليًا، ما يعيد فتح النقاش حول “تسييس العمل الإنساني”.
فرض رقابة دولية عاجلة
غياب التحقيقات المستقلة، ورفض المؤسسة التعاون مع منظمات الأمم المتحدة، يزيد من الشكوك حول نواياها الحقيقية، ويدفع باتجاه ضرورة فرض رقابة دولية عاجلة. فاستمرار هذه الأنشطة دون مساءلة قانونية أو أخلاقية يُهدد بتقويض ما تبقى من ثقة الأهالي في العمل الإنساني، ويحوّل الغوث إلى أداة قهر جديدة في ساحة الحرب المفتوحة.