تعيش منظومة الرعاية الصحية في قطاع غزة حالة انهيار كارثي، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية الممنهجة التي طالت البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الطبية، ما أدى إلى خروج عدد كبير من المنشآت الصحية عن الخدمة، وفي مقدمتها مستشفى غزة الأوروبي، الذي يشكل شرياناً أساسياً في تقديم الرعاية التخصصية لسكان جنوب القطاع ومرضى الحالات الحرجة على مستوى غزة كاملة.
خروج المستشفى من الخدمة
الاستهداف المباشر والمتكرر لمستشفى غزة الأوروبي، والذي ترافق مع تدمير الطرق المؤدية إليه وضرب شبكات الصرف الصحي المحيطة، جعل من شبه المستحيل استمرار تقديم الرعاية الصحية داخله. الخطورة لا تقتصر على تعطيل مستشفى، بل تشمل توقف خدمات تخصصية نادرة لا تتوفر إلا ضمن هذا الصرح الطبي، كجراحات الأعصاب والصدر والقلب، بالإضافة إلى خدمات العناية المركزة، والطوارئ، والأورام، وطب العيون. خروج المستشفى من الخدمة يشكل ضربة قاتلة لقدرة النظام الصحي في غزة على الاستجابة لأي حالة طبية حرجة أو مزمنة، خصوصاً في ظل الحصار المستمر وشح الموارد الطبية.
تتضاعف هذه الأزمة مع توقف رعاية مرضى السرطان، الذين باتوا بلا منفذ طبي حقيقي، بعد أن تم تدمير مستشفى الصداقة التركي سابقاً. هؤلاء المرضى، الذين يعتمدون على بروتوكولات علاجية دقيقة ومراقبة مستمرة، يواجهون اليوم خطر الموت البطيء، ليس فقط بسبب المرض ذاته، وإنما بسبب فقدانهم الحق في العلاج والرعاية الأساسية. ويؤدي غياب المتابعة الطبية إلى تدهور سريع في الحالات، لا سيما عند الأطفال والمسنين.
كارثة إنسانية
أزمة العجز في الإمدادات الطبية تتفاقم مع استمرار الحصار ومنع دخول المواد الحيوية، سواء الأدوية أو المستلزمات الجراحية أو الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء. المستشفيات التي ما زالت تعمل جزئياً، تواجه ظروفاً مأساوية؛ وحدات العناية المركزة بدون أجهزة تنفس كافية، أقسام الطوارئ تعمل فوق طاقتها، ونقص فادح في الكوادر الطبية التي أنهكها العمل تحت القصف دون حماية.
وفي سياق الأوضاع الراهنة، يتجاوز الأمر مجرد أزمة صحية عابرة، ليبلغ مستوى الكارثة الإنسانية. فاستهداف المرافق الصحية يعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني، إذ تنص اتفاقيات جنيف على حماية المستشفيات والكوادر الطبية في زمن النزاعات، ومع ذلك فإن إسرائيل تواصل استهدافها، دون محاسبة أو تدخل فاعل من المجتمع الدولي.
الحرب الشاملة ضد المدنيين
الصمت الدولي حيال هذه الانتهاكات المتكررة يمنح الاحتلال ضوءاً أخضر للاستمرار في سياسة التجويع الطبي وقتل المرضى عبر حرمانهم من العلاج. وتبدو النتيجة اليوم واضحة: نظام صحي يحتضر، ومرضى يموتون بصمت، وطواقم طبية تواجه الموت مع كل مناوبة.
إن انهيار القطاع الصحي في غزة هو أحد أوجه الحرب الشاملة التي تُمارس ضد المدنيين، ويستهدف بشكل خاص الفئات الأشد ضعفاً. وبدون تحرك دولي عاجل لإعادة تأهيل المرافق الطبية وتوفير ممر آمن للمساعدات والإمدادات الطبية، فإن عدد الضحايا سيستمر في التزايد ليس فقط بفعل القنابل، بل بسبب غياب العلاج، وافتقار أبسط أدوات البقاء.