الوضع في غزة بات مأساويًا بشكل لا يمكن تجاهله، واستمرار سقوط المدنيين جراء الغارات الإسرائيلية يفتح الباب أمام مخاطر إنسانية متصاعدة، قد تكون عواقبها كارثية ليس فقط على الحاضر، بل على مستقبل الأوضاع في القطاع والمنطقة ككل.
استمرار استهداف المدنيين، خاصة الأطفال والنساء، يفاقم من التدهور الإنساني ويزيد من هشاشة المجتمع الغزي. عندما يُفقد هذا العدد من الأرواح البريئة في فترات زمنية قصيرة، تتكسر البنية المجتمعية شيئًا فشيئًا. نحن لا نتحدث فقط عن أرقام، بل عن عائلات تُمحى بالكامل، كما حدث مع الإعلامية نور قنديل وزوجها وطفلتهم، أو الصحافي عزيز الحجار الذي استشهد مع زوجته وأطفاله. هذه المآسي لا تترك فقط فراغات عائلية، بل تزرع جروحًا نفسية جماعية عميقة لن تندمل بسهولة.
تقييد القدرة على الإغاثة
من جهة أخرى، صعوبة عمل المنظمات الإغاثية وسط هذا التصعيد العسكري يجعل من الوضع أكثر كارثية. فالقصف لا يميز بين الأهداف، ما يعني أن خيام النازحين والمراكز الطبية وحتى المستشفيات أصبحت أهدافًا مباشرة أو قريبة من دوائر الخطر. مستشفى العودة في تل الزعتر مثلاً تعرض لأضرار جسيمة، ما يعطل قدرة الطواقم الطبية على الاستجابة للمصابين. كما أن الدفاع المدني، وفق تصريحات الناطق باسمه محمود بصل، يواجه تحديات ضخمة في الوصول إلى الضحايا بسبب كثافة الغارات، ونقص الموارد، والتدمير الواسع للبنية التحتية.
وهذا يؤدي إلى تحدٍ إضافي يتمثل في تقييد القدرة على الإغاثة السريعة ونقل الجرحى وتوفير العلاج لهم، بل وحتى دفن الشهداء في ظل غياب الأمن والمقومات الأساسية. ويُضاف إلى ذلك تعقيد حركة الطواقم الإعلامية، حيث أن استشهاد ثلاثة صحافيين في يوم واحد يعكس حجم الخطر الذي يحيط بأي محاولة لنقل الحقيقة، مما يخلق بيئة من التعتيم الإجباري، تُبقي الجرائم دون توثيق كافٍ.
مبادرات دولية فعالة
أما على المدى البعيد، فإن استمرار هذا النمط من الاستهداف يؤدي إلى تآكل الأمل والإحساس بالأمان، ويخلق بيئة خصبة للغضب واليأس والانهيار النفسي، لا سيما في أوساط الأطفال والناجين من العائلات المكلومة. ومع غياب أفق سياسي أو مبادرات دولية فعالة للتهدئة، فإن الوضع قابل للانفجار بصورة أشد.
استمرار سقوط المدنيين وصعوبة عمل الإغاثة ليست فقط نتيجة للحرب، بل عوامل تؤسس لكارثة أكبر قادمة ما لم يتم تدارك الأمور. المطلوب اليوم أكثر من بيانات الشجب والتنديد، بل تحرك فعلي عاجل يضع حدًا لهذه المعاناة المستمرة ويعيد الحد الأدنى من الإنسانية لمشهد فقد فيها كل شيء معناه.