التحركات الدبلوماسية الفلسطينية في مواجهة الحرب الجارية على غزة تمثل أحد أبرز الجبهات غير العسكرية التي تسعى القيادة الفلسطينية من خلالها إلى تحقيق هدفين متوازيين: أولًا، وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع بكل ما يحمله من جرائم إبادة وتهجير قسري؛ وثانيًا، تثبيت الحقوق الفلسطينية أمام المجتمع الدولي وتوسيع نطاق الاعتراف بشرعية النضال الوطني.
إجراءات ضد الحكومة الإسرائيلية
وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية تُدير في هذه المرحلة واحدة من أكثر الحملات السياسية كثافة منذ سنوات، مستفيدة من تحول نوعي في المواقف الدولية، لا سيما من قبل قوى غربية مؤثرة مثل فرنسا وبريطانيا وكندا. هذه الدول، التي لطالما تبنت مواقف تقليدية أقرب إلى الحياد أو دعم إسرائيل، بدأت تصدر بيانات تتحدث بلغة غير مسبوقة عن مسؤولية إسرائيل في الانتهاكات الجارية، بل وتتحدث عن إجراءات عملية ضد الحكومة الإسرائيلية.
الترحيب الفلسطيني بهذا التحول يعكس إدراكًا عميقًا بأن المعركة على الرأي العام الغربي بدأت تؤتي ثمارها، نتيجة توثيق الجرائم على الأرض، وتصاعد الغضب الشعبي في الشوارع والجامعات، وحتى بين برلمانيين ومثقفين في هذه الدول. التحركات الفلسطينية لم تعد تكتفي بلغة الإدانة، بل تركز على بناء تحالفات سياسية وإنسانية مع قوى تؤمن بحقوق الإنسان، وتضغط من أجل تفعيل أدوات القانون الدولي.
معركة الدبلوماسية الفلسطينية
واحدة من أبرز نقاط القوة في هذا الجهد الدبلوماسي هي التأكيد المستمر على الانسجام مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ما يمنح الخطاب الفلسطيني مصداقية ومشروعية يصعب دحضها، خصوصًا في ظل توثيق الانتهاكات على نطاق واسع. في المقابل، تصر إسرائيل على الهجوم السياسي والدبلوماسي على هذه التحركات، وتتهمها بالتحريض والمعاداة، وهو ما تستخدمه فلسطين كدليل إضافي على عزلة إسرائيل المتنامية.
المعركة التي تخوضها الدبلوماسية الفلسطينية لا تُقاس بنتائج آنية، بل بتراكم مواقف دولية قد تصل لاحقًا إلى قرارات ضغط داخل مجلس الأمن أو عبر المحكمة الجنائية الدولية. كما أن التحركات الفلسطينية الأخيرة ركزت على ضرورة إشراك المؤسسات الأممية بشكل أكثر فاعلية، والدعوة لتطبيق قرارات أممية موجودة سلفًا لكنها ظلت حبيسة الأدراج بفعل الفيتو الأميركي أو الحسابات السياسية للدول الكبرى.
وما يميز هذه المرحلة من الحراك الدبلوماسي الفلسطيني هو الاتساق في الخطاب والرسالة: لا تسوية عادلة دون وقف فوري للحرب، ولا حديث عن أي مستقبل دون احترام حقوق الفلسطينيين كاملة، بما فيها إنهاء الاحتلال ورفض الضم والتهجير. هذا النوع من الوضوح يُسهّل على الدول الراغبة في تبني مواقف منسجمة مع القانون الدولي أن تصطف بجانب فلسطين، دون التورط في حسابات معقدة أو رمادية.
العزلة السياسية على إسرائيل
إذا استمر هذا الزخم الدبلوماسي، ونجحت القيادة الفلسطينية في استثماره عبر تحالفات أوسع، فقد يتحول إلى نقطة ضغط حقيقية، ليس فقط على حكومة نتنياهو، بل على الداعم الأساسي لها دوليًا، الولايات المتحدة. فكل موقف أوروبي يُراكم العزلة السياسية على إسرائيل، ويُحرج واشنطن، ويقرب لحظة التحول الحاسم في ميزان السياسة الدولية تجاه القضية الفلسطينية.
المعركة الآن على طاولة السياسة كما هي على الأرض، والدبلوماسية الفلسطينية تدرك جيدًا أن اللحظة الحالية تمثل فرصة نادرة لإعادة تعريف موقع فلسطين في الوعي الدولي، ليس فقط كقضية إنسانية، بل كقضية تحرر وشرعية سياسية تواجه مشروعًا استعمارياً مكشوفاً أمام العالم.