يعكس تعيين ديفيد زيني رئيساً لجهاز “الشاباك” في هذا التوقيت الحرج، تحوّلاً واضحاً في عقلية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي باتت تنحو بشكل متزايد نحو التطرف وتبنّي خيارات عسكرية على حساب المسارات السياسية والدبلوماسية. تصريحاته المباشرة ضد صفقة تبادل الأسرى، واعتباره أن ما يجري في غزة هو “حرب وجود”، ليست مجرد وجهة نظر شخصية، بل مؤشر دقيق على طبيعة المرحلة المقبلة التي تنوي الحكومة الإسرائيلية خوضها بوسائل أكثر حدة وصدامية.
اتهامات بالتقصير في منع هجوم 7 أكتوبر
«زيني» لم يأتِ من فراغ، بل تم اختياره بعناية ليقود جهاز “الشاباك” في لحظة يعتبرها الكثيرون في إسرائيل مفصلية. استقالة سلفه رونين بار جاءت بعد ضغوط داخلية شديدة واتهامات بالتقصير في منع هجوم 7 أكتوبر، ما أحدث فراغاً قيادياً استغلّه نتنياهو لتعيين شخصية أمنية تميل إلى الحلول الصفرية، وتُسهم في ترسيخ رؤيته التي يروّج لها منذ بداية الحرب: لا وقف لإطلاق النار، ولا صفقة تبادل، قبل “تحقيق النصر الكامل”.
نهج «زيني» المتشدد يرتبط بشكل وثيق بسياسات اليمين الإسرائيلي المتطرّف الذي يُمسك اليوم بمفاصل الحكم. هو يعبّر عن قناعة تامة بأن التفاوض مع حماس يعني تقويض “الردع الإسرائيلي”، وأن أي صفقة تُعيد الأسرى دون سحق الحركة عسكرياً ستُقرأ كإذعان، وبالتالي تشجّع على مزيد من العمليات في المستقبل.
اختراق في المسار التفاوضي
لكن اللافت هنا أن تعيين زيني يتزامن مع قرار الحكومة بسحب وفدها من مفاوضات الدوحة، وهو ما يدل على أن القرار الاستراتيجي لم يعد يهدف لتحقيق أي اختراق في المسار التفاوضي، بل يتجه نحو الحسم العسكري، مهما كان الثمن، وهو خيار قد يُرضي بعض الدوائر في اليمين المتطرف، لكنه يحمل تبعات خطيرة على المستوى الإقليمي والدولي، خصوصاً مع تصاعد الضغط الأميركي والدولي لوقف الحرب وتفادي المجازر.
في العمق، تعيين «زيني» هو رسالة مزدوجة: داخلياً، محاولة لإعادة الثقة بالمؤسسة الأمنية التي تضرّرت صورتها بعد 7 أكتوبر، وخارجياً، إشارة واضحة إلى المجتمع الدولي أن إسرائيل لن تتراجع عن أهدافها، ولن تقبل بأي صفقة لا تنسجم مع رؤيتها للحل.
ومع ذلك، فإن هذا النهج التصادمي قد يُفضي إلى مزيد من التعقيد، خصوصاً إذا اصطدم برفض دولي واسع أو بتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، ما قد يجعل من زيني وجهازه في مواجهة اختبار حقيقي بين الحسم الأمني والواقعية السياسية.
حرب وجود
وكانت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، قد نقلت عن رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» الجديد ديفيد زيني، قوله، إنه يعارض التوصل لاتفاق حول استعادة المحتجَزين في غزة، واصفاً الحرب الحالية في القطاع بأنها «حرب وجود».
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن، تعيين الجنرال زيني مديراً لجهاز «الشاباك»، خلفاً لرونين بار، الذي أعلن استقالته، الشهر الماضي.
وذكر موقع «واي نت» أن الحكومة الإسرائيلية قررت، أمس، سحب بقية أعضاء وفدها المشارِك في المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، التي تستضيفها العاصمة القطرية الدوحة.
وأوضح الموقع الإخباري الإسرائيلي أن القرار جاء بعد وصول المفاوضات مع حركة «حماس» إلى «طريق مسدود».