في قلب الليل الذي كان من المفترض أن يكون مرفأً للراحة، تحول كل شيء إلى جحيم.. هناك، في حي الدرج بمدينة غزة، حيث احتمت مئات العائلات داخل مدرسة فهمي الجرجاوي من قصف لا يرحم، كانت الطفلة ورد جلال الشيخ خليل تحاول النوم بجانب والدتها وإخوتها الستة، متشبثة بما تبقى من دفء العائلة المبعثرة في فناء من الخيام.
اخترق جدران المدرسة
فجأة، شقّ صاروخ إسرائيلي الظلام، واخترق جدران المدرسة، فاشتعلت السماء ناراً، والأرض لهيباً. دوّى الانفجار، واختلطت صرخات النساء والأطفال بصوت الانهيار، وتحوّلت المدرسة إلى كومة من الحجارة والنار. في وسط هذا الجحيم، خرجت ورد… تصرخ، تبكي، مذهولة، نصفها مغطى بالغبار ونصفها الآخر بالحروق. جسدها الصغير لم ينجُ من آثار القصف، لكن روحها هي التي كانت تنزف أكثر.
لم تكن تعلم، حين خرجت صارخة من تحت الركام، أن أمها قد فارقت الحياة.. ولا أن إخوتها الستة، أولئك الذين كانت تتقاسم معهم الخبز والخوف والأحلام البسيطة، قد صاروا رماداً. وحده والدها بقي على قيد الحياة، يصارع الموت في مستشفى بالكاد يعمل، وسط نقص الأدوية والأجهزة والطواقم.
قتل أحلام الأطفال
المشهد أبكى حتى المسعفين. أحدهم، لم يتمالك نفسه، قال وهو يحمل ورد: “هذه ليست حربًا، هذه نهاية العالم”. بينما وقف سكان الحي المدمَّر عاجزين، يحتضنون الأطفال الباقين من تحت الأنقاض، ويجمعون ما تبقى من بقايا الأرواح.
ردود الفعل في غزة كانت غاضبة ومكسورة في آن. الناس لم يعودوا قادرين على البكاء، فالموت صار ضيفًا يوميًا، لكنهم يعرفون أن ما حدث لورد ليس مجرد “حادث حرب”، بل جريمة مكتملة الأركان. قال أحد الشيوخ: “العدو لم يقصف مقاتلين. لقد قصف أحلامًا نائمة، قصف حكايات أطفال قبل أن تُروى”.
مأساة ورد
كل من في غزة يعرف اسم ورد الآن. هي لم تعد مجرد طفلة، بل أصبحت رمزًا لجيل وُلد في النار ويعيش في الرماد. ورد، التي خرجت وحدها من بين الأنقاض، صارت تمثل آلاف الأطفال الذين لم يجدوا مكاناً آمناً لا في المدارس ولا في البيوت ولا في حضن الأمهات.
وفي هذا الجحيم، لا صوت يعلو فوق صوت القصف.. إلا صرخة ورد. الصرخة التي لن ينساها من سمعها، لأنها ببساطة ليست صرخة وجع جسدي فقط، بل صرخة من فقد كل شيء في لحظة واحدة، وخرج ليقول للعالم: هل ترونني الآن؟ أم أن ناري لا تصل شاشاتكم؟