في مواجهة عدوان متواصل ومتعدد الجبهات على الشعب الفلسطيني، تحاول الرئاسة الفلسطينية عبر أدواتها السياسية والدبلوماسية أن تضع القضية مجددًا في صلب الاهتمام الدولي، مستثمرة الزخم الحاصل من الحراك الإقليمي والدولي، وكذلك تصاعد الجرائم الإسرائيلية في كل من غزة والضفة الغربية والقدس.
تصريحات الناطق باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، جاءت لتكرس موقفًا واضحًا بأن المعركة التي يخوضها الفلسطينيون اليوم لم تعد محصورة في جغرافيا غزة، بل تمتد لتشمل الضفة الغربية والمقدسات في القدس، وهو ما يجعل التصعيد الإسرائيلي تهديدًا شاملًا للأمن الإقليمي، لا مجرد “رد أمني” كما تروج له إسرائيل.
أمريكا مفتاح الضغط السياسي والأمني
تطالب الرئاسة الفلسطينية، من خلال هذه التصريحات، الإدارة الأميركية بموقف أكثر جرأة ووضوحًا، يتجاوز لغة “القلق” التي تتبناها واشنطن في كل مرة يرتفع فيها منسوب الدم الفلسطيني. فالإدارة الأميركية، باعتبارها الحليف الأقرب لإسرائيل، تملك مفتاح الضغط السياسي والأمني الذي قد يوقف الحرب، أو على الأقل يفرمل وتيرتها المتصاعدة. لكن حتى الآن، لا تزال الرئاسة تصطدم بجدار من التراخي الأميركي، الذي يمنح إسرائيل وقتًا مفتوحًا لتنفيذ استراتيجيتها على الأرض، سواء في غزة أو في تهويد القدس أو في اقتحامات الضفة المتكررة.
ما تحاول القيادة الفلسطينية قوله – وإن بلغة دبلوماسية – هو أن التواطؤ الصامت أو الموارب من قبل الولايات المتحدة قد يتحول إلى اشتعال أوسع في المنطقة، وأن أمن المنطقة لم يعد منفصلًا عن إنهاء الاحتلال. فبدون حل سياسي عادل وشامل يضمن الحقوق الفلسطينية وعلى رأسها قيام دولة مستقلة، فإن العنف سيظل سمة المرحلة، والاحتلال سيظل السبب الرئيسي للتوتر المستمر.
فرض عقوبات أممية
وفي ظل هذه المعادلة، تراهن الرئاسة الفلسطينية على المؤتمر الدولي المرتقب في نيويورك الشهر المقبل كإحدى الأدوات لمحاولة تحريك المياه الراكدة. الحديث عن اعترافات جديدة بدولة فلسطين يعكس محاولة لتكريس الاعتراف الدولي بواقع سياسي يفترض أن يُفرض على الأرض، لا أن يظل حبيس البيانات. لكن هذه الجهود ستظل ناقصة ما لم تحظَ بدعم دولي فعّال يُترجم إلى خطوات ملموسة ضد الاحتلال، بما في ذلك مقاطعة سياسية أو اقتصادية، ووقف الدعم العسكري، أو فرض عقوبات أممية.
الرئاسة الفلسطينية تسير في مسار مزدوج: مقاومة دبلوماسية في المحافل الدولية، ومحاولة لفرملة الانهيار الميداني أمام شراسة العدوان الإسرائيلي. لكن دون ضغط حقيقي من واشنطن وتكتلات عالمية تُعيد الاعتبار لقرارات الشرعية الدولية، فإن المجهود السياسي، مهما بلغ من الجدية، سيبقى مجرد صرخة في فراغ سياسي يُعاد فيه إنتاج المأساة يوميًا.
المطلوب اليوم ليس فقط إدانة العدوان، بل دعم فعلي لإرادة الفلسطينيين في إنهاء الاحتلال، لا في التعايش مع جرائمه.