بنيامين نتنياهو، السياسي الأطول بقاءً في سدة الحكم في تاريخ إسرائيل، يبدو اليوم وكأنه يحكم فوق أرض متحركة، حيث تتكاثر عليه الضغوط من كل جانب، ويكاد يكون كل قرار يتخذه جزءًا من معركة بقاء لا من سياسة حكم. فرغم إصراره على الظهور بمظهر القائد الممسك بزمام الأمور، فإن الواقع السياسي الإسرائيلي يشير إلى أن حكمه بات فعليًا مهددًا، ليس فقط من المعارضة، بل من داخل حزبه ومن قلب مؤسسات الدولة.
انهيار حكومة نتنياهو
المؤشرات على هذا التهديد تتزايد وتتراكم. في المستوى الداخلي، بدأت شروخ الولاء تظهر في صفوف حزب “الليكود” نفسه، وهو ما دفع نتنياهو إلى التحرك بشكل استباقي من خلال إعادة ترتيب البيت الداخلي، وتحديث قاعدة بيانات الأعضاء والنشطاء وتوزيعها فقط على الموالين، في خطوة تكشف خشيته من تمرد داخلي محتمل. كما بدأ مبكرًا بالتحضير لمعركة انتخابية مفترضة، وهو ما يؤكد إدراكه لاحتمال انهيار حكومته في أي لحظة.
الخلافات داخل الائتلاف الحاكم، خاصة مع أحزاب الحريديم المتشددة، تُشكل عنصر ضغط إضافي. فهذه الأحزاب لا تملك صبرًا سياسيًا طويلًا، ومصالحها الدينية والاجتماعية قد تتقاطع مع سياسات نتنياهو في أي لحظة، ما يجعل التحالف هشًا بطبيعته.
خطة نتنياهو للبقاء
الأخطر من ذلك هو أن تصرفات نتنياهو باتت تُقرأ من الجميع – بما في ذلك داخل إسرائيل – على أنها موجهة نحو حماية مستقبله الشخصي، لا مستقبل الدولة. تعيينه المفاجئ لديفيد زيني رئيسًا لجهاز “الشاباك” دون التشاور مع رئيس الأركان، يوضح كيف أن نتنياهو يربط كل مفاصل القرار الأمني بخطته للبقاء، خاصة أنه يواجه محاكمة بثلاث قضايا فساد، ويحاول عبر هذا التعيين حماية نفسه حتى من القضاء، مستخدمًا الجهاز الأمني الأكثر حساسية في إسرائيل كأداة سياسية.
في الأفق السياسي، تبدو احتمالات إجراء انتخابات مبكرة واردة، خاصة إذا تفكك الائتلاف أو تفاقمت الأزمة مع الشارع الإسرائيلي الغاضب أصلًا من طريقة إدارة الحرب في غزة ومن تعثر صفقة الأسرى. وفي هذا السياق، فإن المعارضة تراقب وتنتظر اللحظة المناسبة للهجوم، مستفيدة من التآكل المتسارع في صورة نتنياهو لدى الرأي العام، وداخل المؤسسة الأمنية والعسكرية التي بدأت تعارضه بصوت أعلى.
تمرد داخلي
نتنياهو، الذي طالما برع في قلب الموازين لصالحه، يُدرك اليوم أنه يواجه وضعًا غير مسبوق: محاكمة، تمرد داخلي، تآكل في الثقة الأمنية، تراجع الدعم الشعبي، واحتمال تصدع تحالفه. كل ذلك يجعل من حكمه مسألة وقت، وخياراته تضيق يومًا بعد يوم، حتى لو بدا في العلن أنه لا يزال يفرض قراراته.
بالتالي، يمكن القول إن حكم نتنياهو بات مهددًا فعليًا، ليس لأن خصومه أقوياء بالضرورة، ولكن لأن أدواته القديمة لم تعد فعالة كما كانت، ولأن عبء أخطائه المتراكمة بات أثقل من قدرة مناوراته على احتماله.