يمثل القرار الدولي الذي اتخذته لجنة الشؤون العامة في مؤتمر العمل الدولي برفع مكانة فلسطين من “حركة تحرر وطني” إلى “دولة مراقب” في منظمة العمل الدولية، نقطة تحول دبلوماسية مهمة تعكس تطوراً في النظرة العالمية للقضية الفلسطينية، وخصوصاً في ظل ما تمرّ به الأراضي الفلسطينية، وخاصة قطاع غزة، من عدوان غير مسبوق، يوصف دولياً بأنه قد يرقى إلى جرائم إبادة جماعية.
حقوق العمال الفلسطينيين
هذا القرار لا يندرج فقط ضمن البُعد الرمزي للتمثيل، بل هو تأكيد سياسي وقانوني على أن العالم بات يرى الفلسطينيين كدولة تحت الاحتلال، لا كقضية إنسانية مؤقتة أو نزاع داخلي. رفع التمثيل يعني منح الفلسطينيين صلاحيات أوسع داخل المنظمة الدولية، بما فيها الحق في حضور اجتماعات مجلس الإدارة، والمشاركة في صياغة السياسات، والتصويت كطرف مراقب، وهو ما يمكّنهم من الدفاع عن حقوق العمال الفلسطينيين في وجه الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، خاصة في الضفة الغربية والمناطق الصناعية الخاضعة لسيطرة الاحتلال.
في السياق السياسي، يأتي القرار كامتداد مباشر لتغير المناخ الدولي حيال إسرائيل منذ تصاعد الحرب على غزة في أكتوبر 2023. فالمجتمع الدولي، وتحديداً دول الجنوب العالمي وأوروبا اللاتينية، أصبح أكثر وضوحاً في رفضه للسياسات الإسرائيلية الأحادية، والمجازر التي ترتكب في القطاع. هذا التحول لا ينفصل عن السياق القانوني المتنامي، بدءاً من فتوى محكمة العدل الدولية حول الاحتلال، ومروراً بالأوامر المؤقتة لوقف الحرب في غزة، وانتهاءً بقرارات الجمعية العامة التي منحت فلسطين حقوقاً واسعة كدولة غير عضو.
الضغط على إسرائيل
القرار كذلك يعبّر عن نوع من التحدي المباشر لمحاولات عزل الفلسطينيين دبلوماسياً، أو إبقائهم ضمن إطار “حركات التحرر”، بما يفقدهم الحقوق السيادية في المحافل الدولية. بانتقالهم إلى مستوى “الدولة المراقبة”، يقترب الفلسطينيون خطوة إضافية نحو عضوية كاملة في وكالات الأمم المتحدة، وهي خطوة تسهم في تعزيز حضورهم القانوني على المسرح الدولي وتمنحهم أدوات جديدة لتوثيق الجرائم الإسرائيلية والدفاع عن مصالح شعبهم، بعيداً عن مسارات التسوية السياسية المتعثرة.
ورغم أن القرار لا يغيّر بالضرورة من الواقع الميداني على الأرض، إلا أن تأثيره السياسي والدبلوماسي يُراكم الضغط على إسرائيل، خصوصاً بعد أن انضم إليه دعم من دول تعتبر مواقفها معتدلة أو محايدة تقليدياً، مثل فرنسا وسويسرا وإسبانيا. هذا الزخم يعكس رغبة دولية متزايدة في كسر احتكار الرواية الإسرائيلية، وتقديم دعم عملي وملموس للفلسطينيين في مؤسسات صنع السياسات الدولية.
خطوة نحو العدالة
إلى جانب ذلك، فإن الدعم الصريح من قبل مجموعات أصحاب العمل والعمال داخل منظمة العمل الدولية يعطي القرار بعداً اجتماعياً وأخلاقياً أعمق. فهذه المجموعات، التي تمثل قاعدة عريضة من المنظمات والنقابات حول العالم، أعلنت صراحة أن تمكين فلسطين من الحضور الكامل داخل المنظمة هو خطوة نحو العدالة، ويصب في مصلحة حقوق الإنسان والعمل اللائق، بعيداً عن الاصطفافات السياسية.
يُعد هذا القرار مؤشراً على أن العالم، أو على الأقل جزءاً كبيراً منه، لم يعد مستعداً لغضّ الطرف عن الاحتلال أو التعاطي مع القضية الفلسطينية من زاوية ضيقة. إنه تطوّر يؤسس لمرحلة جديدة في النضال الفلسطيني على الساحة الدولية، حيث لم تعد المقاومة فقط بالبندقية أو على طاولة المفاوضات، بل في كل منصة أممية، ومن خلال كل مادة قانونية أو قرار يُعيد بناء صورة الفلسطيني كصاحب حق لا كضحية مجردة.