في أحد أزقة مخيم المواصي، حيث استقر آلاف النازحين بعد أن التهم القصف منازلهم، تجلس راشا أبو سليمة على حجر، تُقلب بيديها نظارات شمسية بلاستيكية وردية اللون. “أحضرتها من بيتنا المدمر”، تقول بصوت مبحوح، “كانت لابنتي الصغيرة، وقررت أعطيها لها كهدية عيد الأضحى”. لم تعد هناك ملابس جديدة، ولا ألعاب مبهجة، فقط ركام وذكريات وشيء من البلاستيك الملوّن يُقنع طفلة أن العيد ما زال يزور غزة.
العيد حزن في غزة
في خان يونس، حيث الأسواق تحوّلت إلى نقاط بؤس أكثر منها مراكز بيع، يتجول حسام أبو عامر بين الباعة بجيوب فارغة ونظرات مكسورة. كان في مثل هذا الوقت من العام الماضي يشتري الملابس الجديدة لأطفاله الأربعة. الآن، أمنيتهم الوحيدة – كما يقول – “قطعة خبز لا أكثر”. يحكي لهم قصص العيد قبل النوم، لكنه يعجز عن إحضار فرحة حقيقية، يتنهد وهو ينظر إليهم نائمين على الأرض: “كنت رجلاً… اليوم أشعر أني شبح داخل حياتي”.
هالة أبو نقيرة تتنقل بين بقايا المتاجر بحثاً عن الدقيق. لا وقت للعيد، ولا طاقة للزينة. “من قبل كان العيد فرحة، ضحكة أطفال، رائحة كعك تخرج من البيوت. اليوم؟ لا يوجد دقيق، لا يوجد ملابس، لا يوجد ضوء حتى”، تقول بينما تنظر بحسرة إلى طفلين يلعبان فوق أنقاض أحد المنازل. “أراجيحهم الآن مصنوعة من حبال رُبطت بين الأعمدة المحطمة”.
الفتات لم يعد متاحًا
عبد الرحمن مهدي، وهو خمسيني نازح من غزة المدينة، يضحك بسخرية مُرة عندما يُسأل عن الأضحية. “لا أستطيع شراء الخبز، فكيف أشتري خروفاً؟”، يعلق بينما يشير إلى بعض الماعز النحيل المعروض في خيمة صغيرة بأسعار فلكية. حتى اللحوم المحشوة البلاستيكية، التي يبيعها الأطفال في السوق على أنها ألعاب، لم تعد تلفت أنظار الصغار. “الطفل جائع، ما فائدة اللعبة؟”، يسأل.
في السوق المؤقت بجوار الشيخ رضوان، لا تعلو أصوات الباعة كما في الأعياد السابقة، بل تسيطر رائحة القمامة المتعفنة، ويصطف الأهالي في طوابير طويلة بانتظار وجبة ساخنة من جهة خيرية. ماجد سماحة، الكهربائي الذي خسر بيته ومصدر رزقه، يتأمل المشهد قائلاً: “العين ترى واليد قصيرة… حتى الفتات لم يعد متاحًا”.
لا زينة ولا تكبيرات
كريمة نجيلي، أم لثلاثة أطفال، تنظر إلى تقويم الهاتف وتتمتم: “الرابع.. رابع عيد يمر علينا في الحرب”. تنقّلت بين ثلاث مناطق منذ بدء العدوان، وفقدت زوجها تحت الركام. كانت تعد الكعك معهم سابقاً وتخبئ الهدايا، واليوم لا تملك حتى ما تطهو به. “طفلتي طلبت قطعة شوكولاتة… نظرت في عينيها ولم أجد رداً”.
في هذه البيوت المتهدمة، والخيام البلاستيكية، والأزقة المحاصرة، يُحكى العيد بطريقتهم الخاصة، لا زينة، لا تكبيرات، لا ضحك أطفال في الصباح. فقط جوع، ونزوح، وقلوب تتمنى معجزة في زمن لا يعرف الرحمة.