لم يكن صباح عيد الأضحى في مراكز الإيواء بطولكرم يشبه صباحات العيد المعتادة، بل حمل معه وجعًا مضاعفًا في نفوس النازحين الذين وجدوا أنفسهم محرومين من بيوتهم، وأمنهم، وحتى من أبسط مظاهر الفرح التي لطالما ارتبطت بهذه المناسبة الدينية.
العيد في المخيمات
ففي الوقت الذي كانت فيه المساجد تصدح بتكبيرات العيد، كانت العائلات في مراكز الإيواء تتبادل نظرات الصمت والخذلان. فالعيد الذي يُفترض أن يكون مناسبة للفرح والتواصل والتوسعة على النفس والأهل، تحوّل في طولكرم إلى يوم ثقيل محمّل بالذكريات، والحنين، والقلق من القادم. النازحون لم يحتفلوا، بل حاولوا فقط أن يتأقلموا مع الغياب: غياب البيوت، غياب الخصوصية، غياب القدرة على تقديم شيء لأطفالهم يشبه العيد.
في المخيمات البديلة والمراكز المؤقتة التي أُقيمت بشكل استعجالي في مدارس ومبانٍ غير مجهّزة، لم يكن هناك ما يذكّر بالأعياد سوى تكبيرات خافتة تصدح من الهواتف المحمولة، وبعض الحلوى التي تبرّع بها متطوعون أو مؤسسات إغاثية محلية. ملابس العيد لم تكن متاحة لأغلب الأطفال، ومظاهر الذبح أو الزيارات العائلية كانت شبه معدومة، بسبب ضيق الحال أولًا، ولأن أغلب العائلات مشتّتة أو فقدت جزءًا من أفرادها بفعل الهجمات الإسرائيلية المستمرة.
مظاهر الاحتفال بالعيد تتبدل بالخوف
الحالة النفسية كانت الأكثر وضوحًا في وجوه الأطفال. فبدل الفرح والمرح، بدت عليهم علامات القلق والملل والخوف، وكأنهم يعيشون ما لا يجب لطفل أن يعيشه في عمر اللعب. العديد من الأمهات حاولن التخفيف عن أبنائهن بابتسامات مرهقة، أو بعض القصص، لكن الشعور العام بأن العيد “مرّ كأي يوم عادي” سيطر على الجميع.
من جانب آخر، فإن استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية في المدينة ومحيطها جعل أجواء العيد أكثر توترًا. أصوات الاقتحامات لم تهدأ، والحواجز العسكرية عطّلت حتى حركة من أراد زيارة قريب أو تقديم تهنئة. الخوف لم يغادر المراكز، حيث يتخوّف السكان من أن يُعاد تهجيرهم مرة أخرى أو أن يطالهم قصف مفاجئ، كما حدث في مناطق أخرى بالضفة.
الحد الأدنى من مقومات الكرامة
هذه المشاهد تعكس حالة من الغُبن الجماعي، ليس فقط تجاه الاحتلال، بل أيضًا تجاه تقاعس المجتمع الدولي عن حماية المدنيين وتوفير الحد الأدنى من مقومات الكرامة في الأعياد. فأن يستقبل الإنسان العيد في مركز إيواء، دون بيت، دون خصوصية، دون مورد رزق، ودون أمل واضح بالعودة، هو دليل حيّ على حجم الانتهاك المستمر لحق الفلسطينيين في الحياة الكريمة.
وفي النهاية، لم يكن عيد الأضحى في طولكرم عيدًا كاملاً، بل لحظة مُرّة من الصبر، والانتظار، والتمسّك الضعيف بما تبقى من الفرح في زمن فقدت فيه تفاصيل العيد معناها لدى النازحين.