تواصل الحكومة الفلسطينية جهودها في مواجهة آثار العدوان الإسرائيلي، لاسيما في المناطق الأكثر عرضة لهجمات المستوطنين، في مشهد يعكس تداخلاً بين العمل الميداني الطارئ والسياسات الهادفة إلى تعزيز الصمود الفلسطيني في الضفة الغربية.
تخفيف أثار عدوان المستوطنين
ويُعدّ إعلان رئيس الوزراء محمد مصطفى عن تخصيص مبالغ مالية لبلدتي بروقين وكفر الديك، في محافظة سلفيت، واحداً من أبرز التحركات الحكومية الأخيرة التي تأتي في سياق الاستجابة السريعة للاعتداءات المتكررة، والتي كان آخرها حرق منازل ومركبات وإعاقة حركة المواطنين بفعل هجمات المستعمرين.
يمثل هذا التحرك تأكيداً على إدراك الحكومة الفلسطينية لخطورة المرحلة واتساع رقعة الاستيطان، خصوصاً في محافظة سلفيت التي تشهد توسعاً استيطانياً غير مسبوق، وتحولت إلى بؤرة مركزية لممارسات الاحتلال القمعية والاستيطانية. رئيس الوزراء لم يكتف بالإجراءات الإدارية، بل حرص على أن تكون زيارته إلى المنطقة برفقة عدد من الوزراء والمسؤولين، في رسالة سياسية وميدانية مفادها أن الحكومة تتعامل مع هذه الاعتداءات بوصفها تحدياً سيادياً يستوجب المواجهة على المستويين المحلي والدولي.
تعزيز صمود المواطنين
في هذا السياق، تندرج جولة رئيس الوزراء والوزراء المرافقين له، والتي شملت زيارة مقر المحافظة والاجتماع مع المسؤولين المحليين وممثلي المجتمع المدني، في إطار ما يمكن وصفه بمحاولة إعادة التموضع الميداني للدولة الفلسطينية في مواجهة تغوّل المستوطنين، ليس فقط عبر الدعم المالي الطارئ، بل من خلال الحضور السياسي المتواصل في هذه المناطق، وإشراك المؤسسات المحلية في وضع الأولويات والاحتياجات.
تصريحات رئيس الوزراء حول اعتبار الاستيطان “العدو والمعطل الأول للحياة الإنسانية والتنمية الاقتصادية” تعكس تحوّلاً واضحاً في لهجة الخطاب الرسمي، يتجاوز لغة التنديد إلى تحميل الاحتلال مسؤولية مباشرة عن تقويض التنمية وخلق الأزمات. هذا الربط بين العدوان والاستيطان من جهة، وبين الأوضاع الاقتصادية والإنسانية من جهة أخرى، يأتي ليؤسس لرؤية حكومية تنموية مقاومة، ترى في تعزيز صمود المواطن أداة استراتيجية في معركة مواجهة المشروع الاستيطاني.
إعادة إعمار غزة
من جهة أخرى، لا يغيب عن هذا المشهد موقف المجتمع المحلي في سلفيت، الذي عبّر ممثلوه عن تقديرهم للزيارة الحكومية وسرعة الاستجابة، ما يعكس علاقة تفاعلية بين الحكومة والمواطن، تحاول فيها السلطة أن تستعيد ثقة الشارع الفلسطيني من خلال الحضور الميداني والتدخل السريع لمعالجة الأضرار. هذه العلاقة القائمة على الشراكة باتت أحد مفاتيح مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تراهن على تفكيك النسيج الوطني والاجتماعي.
في الوقت نفسه، لم تغب غزة عن خطاب رئيس الوزراء، الذي أكد أن الحكومة ماضية في إعادة إعمار القطاع والمخيمات والمدن التي تعرضت للاستهداف، ما يوحي بأن هناك إدراكاً وطنياً شاملاً لوحدة الجغرافيا الفلسطينية تحت نير العدوان، سواء في الضفة أو القطاع. ويأتي هذا ضمن رؤية استراتيجية تسعى إلى توزيع الموارد والاهتمام وفقًا لأولويات ميدانية وإنسانية ترتكز على مبدأ تعزيز الصمود أينما كان.
تفعيل إدارة الأزمة
تكتسب هذه الجهود الحكومية أهميتها في ظل ضعف المواقف الدولية وانشغال العالم بأزمات أخرى، الأمر الذي يزيد من ثقل المسؤولية الواقعة على الحكومة الفلسطينية في إدارة المشهد الداخلي بمكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبينما تسعى تل أبيب إلى فرض واقع استيطاني جديد بالقوة، تحاول الحكومة عبر أدواتها المتاحة أن تخلق حالة مقاومة مدنية ومؤسساتية توازن بين التحدي والصمود.
في المحصلة، فإن تخصيص الدعم المالي الفوري، والجولات الميدانية عالية المستوى، والخطاب السياسي الواضح، كلها مؤشرات على توجه حكومي أكثر جرأة ووضوحاً في مواجهة التصعيد الإسرائيلي، عبر تفعيل أدوات الدولة وتثبيت الناس في أرضهم، وتقديم نموذج فاعل لإدارة الأزمة تحت الاحتلال.