التصعيد السياسي والعسكري الذي تشهده إسرائيل، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة مع إيران واستمرار الحرب على غزة، بدأ ينعكس بشكل مباشر على المشهد الاقتصادي الإسرائيلي، مُحدثًا اضطرابات حادة في سوق المال، وأسواق العملات، وقطاع الطاقة والطيران، مما يعكس هشاشة البنية الاقتصادية أمام الصدمات الجيوسياسية.
ضربة موجعة لصناعة الغاز الإسرائيلية
الانخفاض الحاد في قيمة الشيكل أمام الدولار واليورو، والذي تجاوز نسبة 1.5% في يوم واحد، يعكس تراجع ثقة المستثمرين في استقرار الاقتصاد الإسرائيلي. عادةً ما يُعد الشيكل عملة مستقرة نسبيًا مدعومة باقتصاد قوي، لكن تراجعها السريع يُشير إلى قلق حقيقي من المستقبل القريب، خصوصًا مع ترقب المستثمرين لموجة هروب محتملة لرؤوس الأموال إلى الخارج بحثًا عن ملاذات أكثر أمانًا.
كما أن الارتفاع الحاد في أسعار النفط بنسبة 7.5% يشكل عبئًا مزدوجًا على الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من أن بعض الشركات العاملة في قطاع الطاقة قد تستفيد مؤقتًا من هذا الارتفاع، إلا أن الإغلاق القسري لحقلي ليفياثان وكاريش، وهما من أكبر الحقول الإسرائيلية في شرق المتوسط، يُعد ضربة موجعة لصناعة الغاز الإسرائيلية. هذا التوقف يهدد بتراجع عوائد الدولة من صادرات الغاز، ويضع الشركات المشغّلة أمام خسائر محتملة وضغوط قانونية وتنظيمية.
تمويل العمليات العسكرية
قطاع الطيران والسياحة هو الآخر يعاني صدمة فورية، مع تعليق الرحلات من وإلى إسرائيل، ما يؤثر بشكل مباشر على شركات مثل “إلعال” و”يسرائير”. وفي بلد يعتمد على السياحة كمصدر دخل مهم، فإن هذه العزلة الجوية قد تُسبب نزيفًا ماليًا لشركات النقل، وتؤثر على قطاعات أخرى مثل الفندقة والتجزئة.
في الأسواق المالية، يترقب المستثمرون بداية أسبوع “عاصف” في بورصة تل أبيب، مع تركيز متزايد على أسهم البنوك والسندات الحكومية، باعتبارها مقياسًا دقيقًا لدرجة الثقة بالاقتصاد المحلي. أي ضغط على السندات قد يرفع من تكلفة الاقتراض الحكومي، ويزيد من عبء الدين العام، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى إنفاق متزايد لتمويل العمليات العسكرية وحماية الجبهة الداخلية.
هزات اقتصادية حادة
القلق لا يقتصر على الداخل الإسرائيلي، بل ينعكس أيضًا في أداء الأسواق العالمية، حيث تراجعت المؤشرات الأمريكية الكبرى في وول ستريت، متأثرة بالمخاوف من امتداد النزاع وتأثيره على استقرار الاقتصاد العالمي. ارتفاع العائد على السندات الأمريكية يشير إلى تحوّل المستثمرين نحو الأصول الآمنة، ما يعني انسحاب السيولة من الأسواق المرتبطة بإسرائيل أو المتأثرة بالصراع.
التوترات السياسية والعسكرية تضع الاقتصاد الإسرائيلي أمام اختبار قاسٍ. فبين تراجع العملة، وتعطل قطاع الطاقة، وخسائر السياحة والطيران، وضغط الأسواق العالمية، تصبح إسرائيل أكثر عرضة لهزات اقتصادية حادة. وإذا ما طال أمد التصعيد، فإن هذه الهزات قد تتحول إلى أزمة اقتصادية حقيقية يصعب احتواؤها في الأمد القصير.