في الوقت الذي تعيش فيه منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر فصولها توترًا، تتجه الأنظار إلى تصعيد غير مسبوق في العلاقات الإسرائيلية–الإيرانية، إذ فتحت حكومة الاحتلال الإسرائيلي جبهة مباشرة مع إيران عبر ضربات عسكرية مستهدفة، وهو تطور يحمل في طياته أبعادًا استراتيجية شديدة الخطورة، لا سيما في توقيته المتزامن مع العدوان المستمر والمكثف على قطاع غزة والضفة الغربية.
الهجوم الإسرائيلي على إيران أداة استراتيجية مزدوجة
هذا التحول لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الأوسع للحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني منذ 7 أكتوبر، لكنه يثير تساؤلات عميقة حول الأهداف الحقيقية لإسرائيل من توسيع نطاق المعركة إقليميًا، في وقت تواجه فيه ضغوطًا متزايدة بسبب الجرائم المستمرة في الأراضي الفلسطينية، وتواجه اتهامات بانتهاك القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك استخدام سلاح التجويع والقتل العشوائي للمدنيين.
ما حذّرت منه منظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية يُسلط الضوء على جانب بالغ الخطورة: أن يكون الهجوم الإسرائيلي على إيران أداة استراتيجية مزدوجة، ليس فقط لتوجيه رسالة ردع إقليمي أو إجهاض أي تهديد عسكري خارجي، بل لتأمين غطاء إعلامي ودبلوماسي يسمح لها بتوسيع دائرة الانتهاكات ضد الفلسطينيين دون رقابة أو محاسبة دولية.
نظرية الضباب الأمني
ففي الوقت الذي تنشغل فيه وسائل الإعلام ومراكز القرار العالمية بمخاطر الانزلاق إلى حرب إقليمية كبرى بين إسرائيل وإيران، تستغل تل أبيب هذا الانشغال لتصعيد عدوانها على الفلسطينيين. إذ شهدت الساعات التي تلت الهجوم على إيران تصاعدًا لافتًا في عدد الشهداء والمصابين في قطاع غزة، فضلًا عن تشديد الحصار، وقطع الإنترنت، وإغلاق بلدات وأحياء فلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ويُعد هذا التوقيت دالًا على نية سياسية مبيّتة، وليست مجرد مصادفة عسكرية. فاختيار لحظة اضطراب إقليمي لإحداث تصعيد داخلي ضد الشعب الفلسطيني يُعزز نظرية “الضباب الأمني” التي لطالما استخدمتها الحكومات الإسرائيلية لإخفاء انتهاكاتها تحت ستار أحداث أكبر. في هذا السياق، تصبح الحرب على إيران ليست فقط معركة إقليمية، بل غطاءً لتصفية حسابات داخلية تتعلق بالملف الفلسطيني، وتصفية القضية على الأرض من خلال فرض أمر واقع بالقوة.
دلالات التصعيد ضد إيران
أما على الصعيد الإنساني، فإن فتح جبهة جديدة ضد إيران في ظل استمرار الهجمات على غزة يعني توسيع رقعة النزيف البشري، وتكريس حالة الانهيار الكامل للبنية التحتية الفلسطينية، واستمرار تغييب صوت الضحايا عن المحافل الدولية، مع انشغال العالم بخطر اشتعال مواجهة إقليمية شاملة.
إن دلالات التصعيد ضد إيران تتجاوز الرد التكتيكي على تهديدات خارجية محتملة، لتصبح في عمقها تعبيرًا عن سياسة متعمدة لخلط الأوراق، وتحويل مسار الاهتمام العالمي، وتأمين الغطاء السياسي والعملياتي لتمرير مخطط عسكري ضد الفلسطينيين بغطاء من “حالة الحرب الإقليمية”. وهو ما يجعل المجتمع الدولي أمام اختبار جديد: هل يمكنه منع استغلال إسرائيل لتصعيدها مع إيران كذريعة لمواصلة جرائمها في فلسطين، أم أن العالم سيكتفي بالمراقبة الصامتة لمسرح تدمير مزدوج؟