في خطوة لافتة تعبّر عن تزايد القلق الدولي من انزلاق الحرب بين إسرائيل وإيران إلى مستويات غير مسبوقة، أعلنت السفارة الأميركية في إسرائيل إغلاق أبوابها حتى إشعار آخر، استجابة لتوجيهات الجبهة الداخلية التابعة لجيش الاحتلال. هذا الإغلاق، الذي شمل القسمين القنصليين في القدس وتل أبيب، لا يعكس فقط البُعد الأمني المباشر، بل يحمِل في طيّاته مؤشرات سياسية واستراتيجية على حجم الاضطراب في المشهد الإقليمي، وتزايد هشاشة الوضع داخل إسرائيل ذاتها.
الإجلاء القسري من مناطق الحروب
أن تُغلق سفارة دولة بحجم الولايات المتحدة في تل أبيب والقدس، وتعلن في الوقت ذاته أنها لا تملك خطة لمساعدة رعاياها على المغادرة، هو إقرار غير مباشر بأن الوضع الأمني قد تجاوز حدود السيطرة. والأهم من ذلك، أن هذا القرار لا يصدر من تقدير أميركي مستقل، بل التزاماً صريحاً بتعليمات قيادة الجيش الإسرائيلي، ما يعني أن الجيش نفسه، صاحب الخطاب الصلب في مواجهة إيران، يعترف ضمنياً بخطورة الوضع إلى درجة تمنعه من ضمان الحد الأدنى من الأمان حتى للدبلوماسيين التابعين لأكبر حلفائه.
من زاوية رمزية، تمثل هذه الخطوة تراجعاً في الثقة الدولية بقدرة إسرائيل على حماية مركزها السياسي والإداري، وتُذكّر بمشاهد الإجلاء القسري من مناطق الحروب والنزاعات المفتوحة. وإذا كانت واشنطن لم تُعلن بعد عن خطة لإجلاء رعاياها، فإن إنشاء مجموعة عمل خاصة ضمن الخارجية الأميركية لمتابعة الأوضاع في الشرق الأوسط، وتنسيق الدعم للبعثات والدبلوماسيين، يوحي بأن سيناريو الإجلاء محتمل، إن لم يكن مسألة وقت فقط.
مشهد أمني مرتبك
وتعكس هذه التحركات إدراكاً أميركياً بأن الصراع الحالي لم يعد محدوداً بطابع الردع أو تبادل الضربات، بل دخل طوراً أكثر عمقاً وتهديداً للمصالح الإقليمية والدولية. خاصة مع إغلاق مطار بن غوريون الدولي واستمرار تعليق الملاحة الجوية، ما جعل الخروج من إسرائيل – سواء للمواطنين أو للدبلوماسيين – أمراً معقداً ومؤشراً على حالة شلل مؤسساتي تتسرب بهدوء إلى مفاصل الدولة.
كما أن الدلالات تمتد إلى الداخل الإسرائيلي ذاته، حيث تزداد التقارير عن مواطنين يحاولون الهروب أو مغادرة البلاد، وسط مشهد أمني مرتبك ومجهول المصير. فبين التصعيد المستمر مع إيران، وانهيار نسبي لقدرات الدفاع الجوي بفعل كثافة الهجمات الصاروخية، وبين تفكك مؤشرات الطمأنة الحكومية، تبدو الثقة العامة – حتى في دوائر القرار الدولي – في أدنى مستوياتها.
اهتزاز صورة إسرائيل
في السياق الأشمل، يمثل هذا الإغلاق إيذاناً بأنّ الحرب خرجت من نطاق السيطرة السياسية، ودخلت حيزاً فوضوياً قابلاً للتمدد. وفي حال انخرطت الولايات المتحدة عسكرياً بشكل مباشر في الصراع، وهو ما لم تُخفِه تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن الإغلاق قد يتحوّل من إجراء احترازي مؤقت إلى إشارة ضمنية على أن الأرض الإسرائيلية باتت مسرحاً لصراع مفتوح، غير محكوم بسقف دبلوماسي.
يمكن قراءة إغلاق السفارة الأميركية لا بوصفه مجرد إجراء أمني، بل بوصفه مؤشراً على اهتزاز صورة إسرائيل كملاذ آمن في المنطقة، حتى لحلفائها المقربين. وهو ما يثير تساؤلات استراتيجية حول المدى الذي قد تبلغه هذه الحرب، وحول قدرة إسرائيل على حماية الداخل في ظل انكشاف سياسي وعسكري متزايد، وانسحاب تدريجي – وإن بدا تقنياً – لأطراف دولية كانت حتى الأمس القريب جزءاً من “ضمانة الاستقرار”.