المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة تمثل نموذجًا صارخًا لما يمكن وصفه بالإبادة المنظمة، التي تُنفذ على مرأى ومسمع من العالم، وسط عجز دولي متعمد عن وقف نزيف الدم الفلسطيني المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023. إن استهداف المدنيين في أماكن عامة، مثل ما جرى قرب “دوار درابية” غرب غزة، ليس حادثًا عرضيًا، بل نمطًا متكررًا من العنف المنهجي الذي لا يميز بين طفل وامرأة، ولا بين نازح أو مقيم.
مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
القصف الذي أدى إلى تفحّم جثث الشهداء وتمزق أجسادهم أمام الكاميرات وأعين العالم، يعكس استهانة كاملة بأدنى معايير القانون الإنساني الدولي، وبقرارات محكمة العدل الدولية التي طالبت بوقف فوري للعمليات العسكرية. في المقابل، يستمر الاحتلال في تصعيد عملياته، كأنما يتحدى المجتمع الدولي، ويختبر مدى صمته، ويدفع بآلة حربه لأبعد مدى دون رادع.
ما يحدث في غزة ليس مجرد “أضرار جانبية” في سياق حرب، بل استهداف واضح للوجود المدني الفلسطيني. منذ بدء العدوان، سقط أكثر من 186 ألف شهيد وجريح، بينهم آلاف الأطفال والنساء، فضلًا عن أكثر من 11 ألف مفقود لا يزال مصيرهم مجهولًا تحت الأنقاض، ومئات الآلاف من النازحين الذين يواجهون ظروفًا لا تليق بالبشر، في مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
مجاعة ممنهجة
إن هذه المجازر اليومية تخلق واقعًا مأساويًا مركبًا: دمار شامل في البنية التحتية، انهيار كامل للمنظومة الصحية، مجاعة ممنهجة تستخدم كأداة حرب، وتفكك اجتماعي تُغذيه الهجمات المتواصلة على العائلات. وما يزيد من فداحة الوضع هو أن هذه الجرائم تُرتكب دون محاسبة، في ظل بيئة سياسية دولية تحمي الجاني وتترك الضحية وحيدة.
الردود الدولية حتى الآن، التي لا تتجاوز حدود بيانات الإدانة، لم تُغيّر من مسار المجازر اليومية. بل إن الاحتلال يستغل هذا التراخي لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية على حساب المدنيين، في محاولة لإعادة رسم الواقع الديموغرافي والجغرافي في غزة بالقوة.
وقفة قانونية وأخلاقية
وفي ظل استمرار هذه الإبادة الجماعية، يتحول كل يوم في غزة إلى تاريخ جديد للمأساة الفلسطينية المستمرة منذ عقود. مأساة باتت تحتاج إلى أكثر من مجرد تضامن، بل إلى وقفة قانونية وأخلاقية حقيقية تعيد الاعتبار لكرامة الإنسان الفلسطيني، وتمنع تكرار المجازر التي تُرتكب اليوم في وضح النهار، أمام عالم صامت يشهد دون أن يتحرك.