تعكس تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت تجاه بنيامين نتنياهو، التي وردت في مقاله الأخير بمجلة الإيكونوميست، حجم الانقسام العميق داخل النخبة السياسية الإسرائيلية، وخصوصًا بين من يرون في الحرب المتواصلة على غزة واندلاع المواجهة مع إيران، مخرجًا استراتيجيًا، ومن يعتبرونها استثمارًا سياسيًا في كارثة مستمرة.
نتنياهو يفتقر القدرة على الشجاعة
أولمرت لم يكتفِ بتوجيه انتقادات تقليدية لنتنياهو، بل مضى خطوة أبعد حين وصف الضربة الأميركية على المنشآت الإيرانية بأنها “فرصة رائعة” كان يمكن استغلالها لطيّ صفحتي الحربين معًا: غزة وطهران. وهو بذلك لا يرى في الهجوم الأميركي مجرد رد استراتيجي على تصعيد إيراني، بل فرصة نادرة أعادت توزيع الأوراق الإقليمية، ووفرت لإسرائيل منفذًا “مشرفًا” للخروج من أزمتين عسكريتين دون نصر واضح.
لكن النقطة الجوهرية في تصريحات أولمرت تكمن في وصفه لنتنياهو بأنه يفتقر إلى “القدرة والخيال والشجاعة” لإنهاء الحروب التي يفتعلها. هذا الاتهام يتجاوز نقد الأداء العسكري، ليصل إلى التشكيك في نوايا القيادة السياسية، واعتبار أن نتنياهو، بدلاً من السعي إلى تحقيق الأهداف الوطنية، يستخدم أدوات الحرب والمواجهة كوسائل للبقاء السياسي والهروب من الأزمات القضائية الداخلية، وعلى رأسها قضيته أمام المحكمة الجنائية الدولية.
غطرسة نتنياهو
ويذهب أولمرت أبعد من ذلك حين يُحذر من أن “غطرسة” نتنياهو قد تُبدد كل ما تحقق لإسرائيل من مكاسب، مشيرًا بشكل ضمني إلى أن استمرار العمليات العسكرية بلا رؤية أو نهاية واضحة قد يؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا، سواء في غزة حيث تواجه إسرائيل أزمة شرعية متفاقمة، أو في إيران التي ما زالت تمتلك أدوات الرد، رغم الضربة الأميركية.
تصريحات أولمرت تكشف أيضًا عن قراءة عميقة للواقع الإقليمي والدولي؛ فهو يُدرك أن الرهان على إسقاط إيران بضربات جوية هو تفكير “غير واقعي”، نظرًا لحجم البلاد وقدراتها الردعية والبشرية. كما يشير ضمناً إلى أن إسرائيل قد وقعت في فخ توسيع جبهات القتال دون أن تملك خريطة طريق متكاملة لإنهاء أي منها، وهو ما ينعكس على الحالة السياسية الإسرائيلية الداخلية، التي تزداد انقسامًا وفوضى.
وثيقة إدانة داخلية قوية لنتنياهو
وفي سياق أوسع، تعكس هذه التصريحات اتجاهاً داخل المؤسسة الإسرائيلية لا يؤيد رؤية نتنياهو التوسعية أو منهجه في إدارة الأزمات. بل تحاول هذه الأصوات – التي يمثلها أولمرت – دق ناقوس الخطر بأن إسرائيل تستهلك مواردها وشرعيتها وتماسكها الداخلي في حروب غير محسوبة، بينما تُدار الدولة برؤية فردية يطغى عليها الهاجس الشخصي.
تمثل تصريحات أولمرت وثيقة إدانة داخلية قوية لنتنياهو، وتمنح خصومه السياسيين، داخليًا وخارجيًا، ذخيرة جديدة للقول إن ما يجري في غزة وإيران ليس ضرورة استراتيجية، بل نتيجة حسابات ضيقة تُدار بعقلية مغامِرة. كما أنها تؤكد أن النخبة السياسية في إسرائيل بدأت تفقد الثقة بقدرة نتنياهو على قيادة البلاد نحو حلول، لا فقط نحو مزيد من الحروب.