لم تكن إيمان تتوقع أن يتحول يوم كانت تنتظره منذ طفولتها إلى لحظة حزن مدفون في الذاكرة. كانت تظن، كما كل طالب في مثل عمرها، أن أصعب ما قد تواجهه في هذا اليوم هو الخوف من ورقة الامتحان، ورعشة اليد عند تسلّمها ورقة الأسئلة، لكنّها اكتشفت أن الألم الحقيقي لا يأتي من الأسئلة، بل من غياب الامتحان نفسه، ومن غياب كل ما له علاقة بالحياة.
آلات الحرب تنسف حلم إيمان
إيمان، ابنة قطاع غزة، الطالبة المجتهدة التي كانت تضع هدفها أمام عينيها كل يوم: أن تصبح طبيبة، كما تحلم جلّ فتيات غزة، لأن الطب في هذه البقعة المنكوبة ليس مجرد مهنة، بل رسالة نجاة، ومقاومة بيضاء ضد الموت. منذ سنوات، كانت تستيقظ قبل الفجر لتدرس، وتحفظ دروسها، وتتبادل الملاحظات مع صديقاتها على أمل ذلك اليوم الكبير… يوم التوجيهي.
لكن الحرب نسفت كل شيء. القصف لم يدمر فقط المدارس والمنازل، بل حطّم ما هو أعمق: الأمل. استشهد بعض صديقاتها. فقدت معلمات، وأقارب، وجيران. حتى المدرسة التي كانت تحلم أن تدخلها بثوب الامتحان صارت أنقاضًا، مجرد ذكرى معلّقة في الهواء.
إيمان تتساءل لماذا غزة؟
في يوم كان يفترض أن ترتدي فيه إيمان زيها المدرسي، وتربط شعرها كما اعتادت، وتضع بطاقتها في يدها، خرجت بدلًا من ذلك إلى العراء، لا وجهة لها إلا السماء، تسألها: لماذا أنا؟ لماذا غزة؟ ولماذا هذا الصمت العالمي الذي يعامل أحلامنا كأهداف عسكرية؟
تحكي إيمان أن أحلامها ما زالت تقف في منتصف الطريق، مجمدة بين سماء تمطر نارًا وأرض تحرق الحياة. تقول إن قلبها انكسر حين رأت صور طلاب التوجيهي في الضفة، يذهبون إلى قاعات الامتحان كما كانت تحلم هي. لم تحسدهم، بل بكَت، لأنها تدرك أن الحلم ذاته قد أصبح بعيدًا عنها أكثر من أي وقت مضى.
إيمان تتمسك بالأمل
ورغم ذلك، لم تطفئ الحرب نور الأمل في عينيها. ما زالت تقول إنها ستصبح طبيبة. ربما ليس هذا العام، وربما ليس العام القادم. لكنها تؤمن أن هذا الحلم لا يُقصف، وأن الورقة والقلم سيعودان يومًا ما، لتكتب عليهما إيمان قصة جديدة، عنوانها: “نجونا… رغم كل شيء”.
وإلى ذلك الحين، تبقى إيمان شاهدة على جيل كامل يقدّم امتحانه الأكبر: امتحان الحياة في زمن الإبادة، حيث لا نتائج ولا شهادات، بل مجرد أمنية واحدة تتردد في القلب كل صباح: أن نبقى أحياء حتى الغد.