تعكس تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت ضد بنيامين نتنياهو تطورًا مهمًا في المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي، يتقاطع فيه البعد الشخصي مع التحول العام في المزاج الشعبي والسياسي في إسرائيل، في ظل تداعيات الحرب الطويلة على غزة، والضغوط الدولية المتزايدة، والانقسام الداخلي الذي بات يهدد تماسك الدولة الإسرائيلية من الداخل.
إدارة كارثية لـ نتنياهو
أولى دلالات تصريحات بينيت تكمن في وضوحه الحاد في تحميل نتنياهو المسؤولية الكاملة عن ما وصفه بـ”الإدارة الكارثية”، ليس فقط في ما يتعلق بالحرب الحالية، بل أيضًا بشأن الانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، والتي باتت تشكل خطرًا استراتيجيًا. إذ يرى بينيت، كما يُفهم من تصريحاته، أن بقاء نتنياهو في الحكم لفترة طويلة تجاوزت المعايير الديمقراطية الطبيعية، جعل من منصب رئاسة الوزراء أداة لبناء سلطة شخصية، وليس مؤسسة خاضعة لمساءلة جماهيرية أو وطنية.
الهجوم المباشر من قبل شخصية يمينية مثل بينيت – وليس من داخل المعارضة اليسارية أو المركزية – يحمل دلالة إضافية، وهي أن أزمة نتنياهو لم تعد حكرًا على الانقسامات الحزبية التقليدية، بل باتت موضع رفض داخل المعسكر الأيديولوجي ذاته الذي كان يمثل قاعدته السياسية الأهم. هذا التحول يضرب في عمق شرعية نتنياهو داخل اليمين الإسرائيلي نفسه، ويؤسس لمسار محتمل يعيد توزيع القوى داخل هذا التيار، خصوصًا في حال قرر بينيت العودة رسميًا إلى الساحة السياسية.
فشل سياسي
من جهة أخرى، يُظهر بينيت حرصًا على فصل الأداء العسكري في غزة عن الإدارة السياسية، معتبرًا أن الجيش يقوم بعمل “استثنائي”، في مقابل فشل سياسي ذريع في اتخاذ قرارات حاسمة. هذا الفصل الواضح هو محاولة محسوبة لاستمالة الشارع الإسرائيلي الداعم للجيش، دون التورط في تحميل المؤسسة العسكرية مسؤولية الإخفاقات السياسية، وهي خطوة ذكية إذا كان بينيت يفكر جديًا في خوض انتخابات مستقبلية، إذ يتجنب بذلك الاصطدام بجهاز يُعدّ من ركائز الإجماع الإسرائيلي.
حديثه عن “اتفاق شامل” لإطلاق سراح الرهائن، مع تأجيل “القضاء على حماس” لحكومة مستقبلية، هو في جوهره نقد واضح لجمود نتنياهو، ويُفهم على أنه تبنٍّ لمقاربة “الواقعية السياسية” بدلًا من الشعارات العسكرية غير القابلة للتنفيذ في الظرف الراهن. وهذا الخطاب قد يجد صداه في قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي المتعب من الحرب، والمتخوف من الانهيار الإقليمي أو الدولي لصورة إسرائيل.
تصريحات بينيت لا تأتي بمعزل عن سياق سياسي إسرائيلي مأزوم: تظاهرات شعبية متكررة، تشققات في التحالف الحكومي، وتراجع في شعبية نتنياهو، إضافة إلى تصاعد الانتقادات الدولية لإدارة الحرب. بينيت يسعى بذكاء لتقديم نفسه كبديل عقلاني، يميني لكن براغماتي، قادر على الحفاظ على أمن إسرائيل دون الذهاب نحو المجهول السياسي.
إعادة رسم الخريطة السياسية الإسرائيلية
من ناحية التوقيت، فإن تصريحاته تأتي قبل وقت مناسب من احتمال فتح باب الانتخابات المبكرة. ورغم تهرّبه من تأكيد ترشحه، إلا أن نبرة الطرح السياسي، وانتقاده المدروس للقيادة، وتذكيره بدوره في “وضع أسس” الهجوم على إيران، كلها مؤشرات على بناء سردية جديدة: بينيت ليس معارضًا تقليديًا، بل رجل دولة لديه تجربة ويريد “تصحيح المسار”.
تصريحات بينيت تعكس تحولًا داخليًا حقيقيًا في بنية السلطة في إسرائيل، وهي مؤشر واضح على بداية تشكّل تيار يميني جديد قد يسعى إلى إزاحة نتنياهو من الداخل، لا من الهامش. وهو تطور قد يُعيد رسم الخريطة السياسية الإسرائيلية، لا سيما إذا استثمر بينيت ذكاءه السياسي وتحفّظه التكتيكي لصالح بناء تحالف أوسع يوازن بين يمين أمني وعقلانية سياسية.