تكشف الحادثة الأخيرة التي وثّقتها حركة حماس عبر تسجيل مصور في مدينة خان يونس عن جملة من الثغرات البنيوية والتكتيكية في صفوف الجيش الإسرائيلي، ما يعكس أزمة متفاقمة في جهوزية القوات خلال العمليات البرية في قطاع غزة. هذه الحادثة، التي انتهت بمقتل الرقيب أول أفرهام أزولاي بعد استهدافه من قبل مسلحين فلسطينيين، لا تشكّل مجرد خلل عابر في ساحة المعركة، بل تُسلّط الضوء على فجوات أمنية وهيكلية عميقة داخل المنظومة العسكرية الإسرائيلية.
أول مظاهر هذه الثغرات يتمثّل في هشاشة الغطاء الأمني الميداني، حيث نجح مقاتلو حماس في التسلل بين القوات الإسرائيلية في وضح النهار دون أن يتم رصدهم. هذه القدرة على اختراق خطوط التماس والوصول إلى آليات ومواقع قريبة من الجنود تشير إلى ضعف في آليات المراقبة والاستشعار، سواء على مستوى الجنود المنتشرين أو على صعيد استخدام التقنيات الاستخبارية والمراقبة الجوية التي لطالما تفاخر بها الجيش الإسرائيلي.
أكثر الثغرات فداحة
ثانيًا، تُبرز الواقعة ضعف الإجراءات الدفاعية المباشرة للجنود على الأرض، من حيث الجاهزية الفردية والتكتيكات المتبعة في بيئة حضرية مدمرة. فالفيديو أظهر تحرك المسلحين وسط الأنقاض بحرية نسبية، مستفيدين من تضاريس الميدان التي تشكلت بفعل الدمار، وهي نقطة فشل واضحة في التقدير العملياتي الإسرائيلي. عدم تأمين محيط العمليات وعدم استخدام وسائل ردع مناسبة ضد التسلل الأرضي (كالرادارات الأرضية أو الكمائن الوقائية) يُظهر خللاً في التصوّر العملياتي لمخاطر الميدان.
كما أن استهداف الجندي أزولاي لحظة ترجّله من آلية هندسية مدنية، واستخدامه لمركبة غير مصفحة في منطقة قتال نشطة، يعكس أحد أكثر الثغرات فداحة في العقيدة العملياتية للجيش الإسرائيلي، وهي الاعتماد المتزايد على معدات غير ملائمة للقتال، بفعل الاستنزاف المادي المستمر منذ اندلاع الحرب في أكتوبر. هذا الاستنزاف جعل الجيش يلجأ إلى وسائل مدنية في بيئة تتطلب أقصى درجات الحماية والتدريع، ما أدّى إلى تعريض حياة الجنود لمخاطر مباشرة ومتكررة.
شبكات أنفاق غير مكتشفة
وبالإضافة إلى ذلك، تُبرز الحادثة فشلًا في تأمين المركبات والمعدات، كما في حالات سابقة تَرك فيها الجنود أبواب المركبات مفتوحة، ما سمح للمسلحين باغتنام أسلحة وأجهزة. هنا يظهر القصور في الانضباط الميداني وسوء تطبيق إجراءات الأمان، وهو ما يُعد انعكاسًا لتعبٍ نفسي وعملياتي متزايد في صفوف الجنود.
أما ما يزيد من خطورة الوضع، فهو تمكن المهاجمين من الانسحاب عبر شبكة أنفاق لم تكن معروفة مسبقًا للجيش الإسرائيلي، ما يطرح تساؤلات جدّية حول فعالية منظومة الرصد الهندسي والاستخباراتي للكشف عن البنية التحتية تحت الأرض. فبعد أشهر طويلة من العمليات المكثفة في غزة، لا يزال الجيش يُفاجأ بشبكات أنفاق غير مكتشفة، مما يُظهر أن تقنيات المسح والاختراق الجيولوجي التي يعتمدها الجيش لم تحقق نتائج حاسمة حتى الآن.
وفي الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل استلام شحنات من جرافات D-9 المدرعة من الولايات المتحدة، فإن الحاجة إلى تعديلها وتدريعها قبل دخولها الخدمة يطرح مشكلة إضافية تتعلق بزمن الاستجابة اللوجستية والتجهيز الفني، ويؤكد أن أزمة المعدات ليست في طريقها للحل الفوري.
ثغرات استخبارية
هذه الحادثة، في مجملها، تطرح علامات استفهام كبرى حول كفاءة الجيش الإسرائيلي في التكيّف مع بيئة حرب غير تقليدية، كالحرب في غزة، حيث العدو ليس جيشًا نظاميًا بل خلايا قتالية مرنة وذات خبرة ميدانية واسعة. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي، رغم تفوقه التكنولوجي والاستخباراتي، يعاني من مشكلة في ترجمة هذه القوة النظرية إلى نتائج ميدانية حاسمة، خاصة عندما يُجبر على التوغل في مناطق مدمرة ومفتوحة على الكمائن، ويواجه عدواً يتقن العمل تحت الأرض وفوقها.
بناءً على هذه المعطيات، من الواضح أن الجيش الإسرائيلي بات أمام معضلة متعددة الأبعاد: استنزاف لوجستي، ضعف ميداني، ثغرات استخبارية، وتحديات معنوية تتفاقم مع تكرار مشاهد الفشل العملياتي، ما ينذر بتدهور متواصل في القدرة على حسم المعركة بوسائل تقليدية، ويضع المؤسسة العسكرية أمام ضغوط متزايدة لإعادة تقييم استراتيجياتها بالكامل.