يعكس تحرّك وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ضد صفقة تبادل الأسرى ومحاولاته إفشالها عبر الضغط على وزراء من حزب الليكود، عمق الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية، وتزايد تأثير التيار الديني القومي المتطرف في صياغة القرار السياسي والأمني. هذه التحرّكات لا تُقرأ فقط بوصفها خلافًا على شروط صفقة، بل كمؤشر واضح على صراع أيديولوجي داخلي بين من يسعى إلى مخرج سياسي – حتى لو مؤقت – من حرب غزة، ومن يريد استمرار المعركة حتى تحقيق “صورة نصر” تُرضي قاعدته المتشددة.
تحجيم دور نتنياهو
بن غفير، الذي يستمدّ ثقله من تمثيله لتيار يميني متطرف يرى في التراجع أو الانسحاب من غزة خيانة، يستغلّ حالة الجمود في المفاوضات لتأليب وزراء اليمين ضد الصفقة، في خطوة تهدف إلى تحجيم دور رئيس الوزراء نتنياهو وتقويض أي محاولة لتحقيق اختراق دبلوماسي قد يهدد تماسك الائتلاف الحاكم من جهة، أو يُظهر ليونة في الموقف الإسرائيلي أمام الرأي العام اليميني من جهة أخرى.
التحركات التي يقودها بن غفير وسموتريتش، والتي تُوصف في الإعلام العبري بأنها “معركة داخل البيت الواحد”، تضاعف من الضغوط على نتنياهو الذي يجد نفسه بين نارين: أولاهما مطالب العائلات الإسرائيلية التي تحتج يوميًا لاستعادة أبنائها الأسرى، وثانيهما تهديدات شركائه في الائتلاف الذين يلوّحون بتفكيك الحكومة إذا شملت الصفقة انسحابًا أو وقفًا لإطلاق النار دون شروط قاسية على المقاومة في غزة.
غضب عائلات الأسرى من بن غفير
المعطى اللافت في هذا السياق هو الموقف العدائي الصريح من قبل رموز اليمين تجاه مجرد التفكير في الانسحاب، وهو ما تجلّى في تصريح سموتريتش بأن التراجع عن أراضٍ احتلها الجنود الإسرائيليون “بدمائهم” يُعد خيانة. هذا الخطاب القومي المشبع بالرؤية التوسعية يضع الحكومة في مأزق داخلي حقيقي، إذ يصعّب إمكانية الوصول إلى صفقة وسطية تُرضي الأطراف كافة.
الأكثر أهمية في المشهد هو التفاعل الشعبي داخل إسرائيل، حيث بدأت عائلات الأسرى الإسرائيليين تعبر عن سخطها من السلوك السياسي لوزراء مثل بن غفير وسموتريتش، واتهامهم بـ”الانفصال عن المعنى الإنساني”. هذا التوتر الداخلي قد يتحول إلى عنصر ضغط متصاعد على نتنياهو، ويفرض عليه اتخاذ قرارات مفصلية خلال الأيام المقبلة، خاصة في ظل الحديث عن انسحابات عسكرية ميدانية يجري تقديمها كجزء من حزمة تفاوضية.
من ناحية استراتيجية، فإن إفشال الصفقة لا يخدم فقط رؤية المتطرفين، بل يتقاطع مع طموحاتهم بإطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وفرض تغييرات على الأرض تخدم مشروعهم الأيديولوجي بالسيطرة الكاملة على غزة أو تقسيمها إلى مناطق أمنية. في المقابل، يخشى نتنياهو من استمرار الحرب بلا أفق، خاصة في ظل تزايد الضغوط الدولية، واحتمالات تغير الموقف الأميركي في حال عودة ترامب للرئاسة.
مشروع أيديولوجي
إن المشهد الإسرائيلي الراهن ليس فقط مأزق مفاوضات صفقة تبادل، بل هو صراع وجودي بين اتجاهين: الأول يرى في إنهاء الحرب فرصة لتثبيت إنجازات عسكرية وسياسية، والثاني يريد مواصلة الحرب لتحقيق مشروع أيديولوجي لا يعترف بالتسويات، ولا يرى في الفلسطينيين سوى خصم دائم لا يمكن التعايش معه.
هذا الانقسام يضع مصير الصفقة في مهبّ الصراعات السياسية داخل الحكومة الإسرائيلية، ويجعل مستقبل غزة – ومعه مستقبل آلاف الأسرى – رهينة للعبة مصالح ضيقة تتحكّم فيها الأحزاب المتطرفة وأجندات لا تقيم وزنًا للكلفة الإنسانية.