في أحد أزقة حي الشجاعية المنكوب، وبين ركام البيوت المهدّمة وخيام الإيواء المؤقتة، يرقد الطفل يزن أبو فول، صاحب الأعوام الخمسة، فوق بطانية رقيقة بالكاد تحجب عنه برد الليل القاسي أو حر النهار الخانق. جسده الهزيل لا يُشبه الأطفال في عمره، عيناه غائرتان، وضلوعه بارزة كأنها تصرخ من تحت جلده، في مشهد يُجسّد مأساة الطفولة في غزة المحاصرة.
يزن لا يعرف الحرب، لكنه ضحيتها المباشرة. لم يكن في باله أن يُحرم من أبسط حقوقه، من كوب حليب، أو وجبة طعام تحتوي عناصر غذائية متكاملة. منذ شهور، لا يأكل سوى الخبز اليابس إن توفّر، أو ما تجود به يد الجيران المرهقين أصلًا بالفقر والنزوح والجوع. ومع كل أسبوع يمر، يتراجع وزنه أكثر، وتذبل نظراته، وتخبو روحه شيئًا فشيئًا.
حصار خانق
أمه التي كانت تفتخر بطفلها الذي كان يتمتع بنشاط غير عادي، تقف الآن عاجزة تمامًا. تقول بصوت تختنقه الدموع: “يزن كان يحب يجري ويلعب.. الآن ما بيقدر يوقف على رجليه من التعب”. حملته أكثر من مرة إلى المراكز الطبية الميدانية، لكن المساعدات شحيحة، والأدوية غير كافية، وحليب الأطفال أصبح حلمًا بعيد المنال.
الحصار الإسرائيلي الخانق، والدمار الذي لحق بالبنية التحتية، وحرمان السكان من الغذاء والمياه النقية والرعاية الصحية، حوّل قطاع غزة إلى بقعة موبوءة بالمأساة. ويزن، واحد فقط من بين آلاف الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم ومستقبلهم.
مأساة يزن
تُشير التقارير الطبية في غزة إلى ارتفاع مذهل في نسب الإصابة بسوء التغذية الحاد والشديد بين الأطفال، خاصة بين من هم دون سن الخامسة. وتُظهر صورهم في المستشفيات الميدانية أجسادًا ناحلة، ووجوهًا مرهقة، ومظاهر لغياب الحياة رغم العيون المفتوحة.
لكن مأساة يزن لا تقف عند حدود الغذاء، بل تمتد إلى معاناة نفسية عميقة. طفل اعتاد على سماع صوت القصف قبل أن يتعلم نطق الكلمات. يرسم في دفتره المتسخ طائرات وملاجئ، لا شمسًا ولا ألعابًا. ينام أحيانًا وهو يضع يديه على أذنيه، خوفًا من دوي جديد، وقد يستيقظ فزعًا إذا سمع صوت حذاء يقترب من خيمتهم.
سرقة الطفولة
حياة يزن اليوم مرهونة بشاحنة مساعدات قد تصل أو لا تصل. بجهاز تنفس بسيط قد يعمل أو يتعطل. بحليب علاجي قد يُسلّم أو يُمنع على المعابر. هو، وأمثاله من أطفال غزة، لا يملكون من أمرهم شيئًا، سوى نظرات مبلّلة بالرجاء نحو العالم.
ويبقى السؤال: كم من يزن يجب أن يُذبل، وكم من طفولة يجب أن تُسرق، قبل أن يستفيق الضمير العالمي؟