تعيش قضية اللاجئين الفلسطينيين واحدة من أكثر لحظاتها قسوة في ظل التدهور غير المسبوق للأوضاع الإنسانية، كما تعكسه بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» بمناسبة اليوم العالمي للاجئين. بعد 77 عامًا من النكبة، لم تعد المأساة الفلسطينية مجرد ذكرى تاريخية، بل واقعًا متجدداً، يتكرّر بشكل يومي في غزة والضفة الغربية ومخيمات الشتات في الدول العربية.
مشاهد التهجير والاقتحامات
ما تكشفه تقارير «أونروا» يتجاوز حدود الإحصاءات؛ فهو يضع العالم أمام مسؤولية أخلاقية وسياسية تجاه مجتمع لاجئ أصبح الآن أكبر من مجرد فئة نازحة، بل كياناً إنسانيًا ممتدًا يعيش في ظروف قهرية، تتراوح بين النزوح القسري، وانعدام الأمن، وانهيار الخدمات، والتهميش المزمن. ففي غزة وحدها، منذ السابع من أكتوبر 2023، نزح نحو 1.9 مليون شخص، أي ما يعادل أكثر من 85% من سكان القطاع، في أكبر موجة نزوح يشهدها الفلسطينيون منذ 1948.
الوضع في الضفة الغربية ليس أقل قسوة؛ إذ تتكرر مشاهد التهجير والاقتحامات والتدمير، خصوصًا في مخيمات جنين وطولكرم وطوباس، حيث أصبحت عمليات النزوح اليومية صورة مكررة من نكبة لم تنتهِ، بل أخذت طابعاً ممنهجاً تمارسه آلة الاحتلال تحت غطاء أمني، وتحت أنظار العالم. فقد شهد مخيم جنين وحده نزوح نحو 21 ألف فلسطيني، يمثلون 30% من السكان، نتيجة العمليات العسكرية المتكررة التي تستهدف البنية التحتية والمنازل، ما يحوّل المخيمات إلى ساحات حرب مفتوحة.
حرمان دائم من الحقوق السياسية والمدنية
في ظل هذا الواقع، تتضاعف أهمية الدور الذي تلعبه «أونروا» كمؤسسة دولية تقدم خدمات التعليم والصحة والمساعدات الإنسانية، في ظل عجز واضح للمجتمع الدولي عن فرض حل عادل لقضية اللاجئين. تصريحات المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، تأتي لتؤكد هذا الالتزام، إلا أنها في الوقت ذاته تعكس حجم التحديات الهائلة التي تواجهها الوكالة، من ضغوط التمويل، ومحاولات التشكيك في شرعيتها، إلى الاستهداف السياسي المباشر لدورها من قبل بعض الأطراف.
الأرقام التي نشرتها «أونروا» تكشف عن خريطة اللجوء الفلسطيني التي لا تزال قائمة حتى اليوم، حيث يعيش ما يقارب 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا. هذه المجتمعات لا تعيش فقط في ظل الحاجة، بل أيضًا في ظل حرمان دائم من الحقوق السياسية والمدنية، وهو ما يُعمق من معاناتها ويُطيل أمد أزمتها.
دولي يتجاوز الشعارات
ما يتطلبه الواقع اليوم لا يقتصر على استمرار الخدمات الإنسانية، بل على موقف سياسي حازم يعيد الاعتبار لقضية اللاجئين الفلسطينيين كملف مركزي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية. فالحديث عن مستقبل عادل للفلسطينيين لا يمكن أن يُبنى على إنكار حق العودة، أو محاولة تذويب هوية اللاجئ في مشاريع التوطين أو الصفقات المرحلية.
في الذكرى السنوية لليوم العالمي للاجئين، يقف اللاجئ الفلسطيني كرمز لمعاناة طويلة، وكقضية لا تزال مفتوحة، بانتظار عدالة مؤجلة، وتحرك دولي يتجاوز الشعارات إلى قرارات تُنهي المأساة الأقدم في تاريخ اللجوء الحديث.