يبدو أن التنين الصيني قادم بقوة، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة الأمريكية، التي فرضت سيطرتها ونفوذها على العالم، والآن استطاعت الصين تحقيق طفرة اقتصادية عملاقة، جعلتها من الدول العظمى، وهو الأمر الذي عجزت أمريكا عن مواجهته.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة، هي الداعم الرئيسي لإسرائيل، في عدوانها الغاشم على قطاع غزة، وبث الفتن والوقيعة بين مختلف الأطراف، لتشتيت الصفوف وإضعاف القوى، لكي تتمكن دولة الاحتلال من فرض نفوذها في الشرق الأوسط.
ولا يخفى على أحد ما قامت به الصين للتضامن مع فلسطين، عندما استخدمت حق «الفيتو» ضد قرار مجلس الأمن لإدانة «حماس» على خلفية هجومها على إسرائيل، وأعلنت مرارًا دعمها للعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأُمم المتحدة. وتنظُر الصين لهذه المواقف الداعمة لـ «حماس» والقضية الفلسطينية، بأنها مدخل مناسب لإقناع قادة الحركتين بالجلوس على طاولة المفاوضات، تمهيدًا للتوصل لمصالحة تُنهي حالة الانقسام التي استمرت لسنوات، والتي انعكست سلبًا على القضية الفلسطينية.
مهمة الصين ليس سهلة، ولكنها كدولة أصبحت ذات وزن ثقيل في الشرق الأوسط؛ وبالتالي فرضت نفسها كوسيط مؤثر لحل الخلافات على مستوى العالم، خاصة في أعقاب وساطتها الناجحة، التي أسفرت عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، في مارس 2023.
نجاح «بكين» في وساطتها ما بين السعودية وايران فتح لها الشهية لممارسة دور ديبلوماسي آخر في مسألة لا تقل تعقيدا عن الخلاف الأول حيث دعت الصين عبر وزير خارجيتها وانغ يي الى عقد مؤتمر سلام دولي بشأن القضية الفلسطينية في محاولة لبعث الروح في «حل الدولتين»، وهي خطوة يصفها البعض بأنها محاولة صينية للاستعراض الديبلوماسي ومحاولة لكسب ثقل سياسي عالمي وسط هذه الفوضى العارمة التي يشهدها العالم عمومًا، ويأتي هذا في توقيت تأكد فيه أن الادارة الأمريكية بقيادة بايدن قد فقدت القدرة على إدارة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
حالة الانقسام بين حركتي فتح وحماس، المستفيد منها بالتأكد هي إسرائيل والاستمرارية في الانقسام لا تخدم أي طرف، وتضر بالقضية برمتها في هذا التوقيت، وربما يفضل الطرفان، وبمساعدة دول صديقة ومؤثرة الجلوس على طاولة المفاوضات، لا سيما في ظل السياسات المتغطرسة لإسرائيل ضد أبناء الضفة، بالتزامن مع الحرب المدمرة في غزة، وإدراك الطرفين بأن مزيدًا من الانقسام في هذا التوقيت، يعني القبول بتصفية القضية الفلسطينية.
ويبدو أن رؤية الصين في حل الدولتين، تضع ضمن أجندتها وأولوياتها محاولة إحداث اختراق في الجبهة الداخلية الفلسطينية والذي بدونه لا يمكن المرور إلى المراحل الأخرى.
توافر وسيط دولي كبير بحجم الصين، يشكل فرصة للطرفين لقبول التسوية؛ ونظرة الطرفين للصين على أنها قطب دولي كبير في مواجهة الهيمنة الأمريكية المنفردة على العالم، تشجعهما على التسوية، وتُسهم في تعزيز الثقة بينهما، ما يضمن تنفيذ اتفاق التسوية.
وتدرك الصين أنها مقبلة على أصعب اختبار لها في الشرق الأوسط، وأنه ليس لديها رفاهية الدخول في تسوية انقسام بدون إنجازه، لا سيما في ظل مرورها بلحظة فارقة في صراعها مع الولايات المتحدة على القيادة الدولية.
وليست هذه المرة الأولى للتوسط بين فتح وحماس، بل قامت دول عربية عدة بدور الوسيط، ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل فعليًا، رغم وجود قبول من الطرفين، ويستغل كل طرف توقيتًا يكون فيه خصمه في موقف ضعيف، ليحقق أكبر قدر من المكاسب.
حركة حماس تأخذ بعين الاعتبار موقف إيران لأهمية الدعم المالي والعسكري الإيراني، وفي المقابل حركة فتح ترتبط ببنود اتفاق أوسلو وإكراهات إدارة الضفة الغربية في ظل العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي؛ وبالتالي فإن هذه القوى قد تحول دون التزام أحد طرفي الأزمة أو كلاهما بالبنود المتفق عليها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
نجاح الصين في التوصل لاتفاق مصالحة بين «فتح» و«حماس»، سيعتبر ضربة ثانية كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية، ومكانتها في النظام الدولي، بعد النجاح في إنهاء الخلاف بين السعودية وإيران. لذلك، قد توظف واشنطن مختلف الأوراق المُتاحة لها لإجهاض الاتفاق، خاصةً في ظل الرفض الداخلي، الذي تواجههُ إدارة بايدن لدورها في الحرب الإسرائيلية على غزة ورفضها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن.
من المؤكد أن الصين، تطمح في توسيع نفوذها بالشرق الأوسط، عبر بوابة القضية الفلسطينية، بالصلح بين فتح وحماس، وقد يتطلب الأمر المزيد من الجولات والمباحثات، خاصة في ظل التعقيدات، التي تسيطر على العلاقة بين حماس وفتح، واحتمالية تدخل أطراف دولية وإقليمية لعرقلة المساعي الصينية.