أشرت في مقال ” لماذا أرى أن تحرر الشعوب العربية من قيود الإستبداد السياسي و التيه الحضاري .. المدخل السليم لتحرير كامل فلسطين ؟”، إلى أن غزة كشفت عورات النظام العالمي القائم ، المتمخض عن نهاية الخرب الباردة و نظام الثنائية القطبية، كما كشفت من قبل عن نواقص النظام العالمي الموروث عن الحرب العالمية الثانية..فالألاف من مثقفي و مفكري و شرفاء العالم، يشعرون بالخجل الشديد من عجز كل الترسانة الأخلاقية والقانونية الدولية، على إيقاف حرب ظالمة أجمع الكل على كونها حرب إبادة جماعية و جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان..
ولقد تعالت الأصوات منذ عقود بضرورة مراجعة النظام العالمي، وإصلاح الأمم المتحدة و هيئاتها التابعة، وتحرير النظام القائم من عقدة الاستعمار و العنصرية و الطبقية و الاستغلال و الاستعباد.. نظام يقوم على ألية القهر و تقديم الديون و القروض و المساعدات المشروطة بتأبيد التبعية و ترسيم الهيمنة و التطبيع مع قانو القوة و شريعة الغاب ..ذلك أن النظام الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية تأسس على منطق القهر و القوة و الحكم العسكري الأوليغارشي، و عسكرة البر و البحر و الجو، و نشر الخوف و الهلع و الحكم بالخوف.. لدى إزدهرت تجارة السلاح و إقتصاد الحروب و إذكاء النزاعات الحدودية في كل أرجاء العالم، وازدهرت ثقافة النزاعات الحدودية، خاصة ببلدان الجنوب..
كما عملت الأوساط الفكرية و الثقافية التابعة لهذا الحلف الصهيو-إمبريالي ، على إذكاء الخلافات العرقية و الإثنية و الدينية و التبشير بنهاية التاريخ..و تبعا لهذا المنطق، فعلى غزة و أهلها أن تخضع لما خضع له الأخرون، أي التسليم بحكم القوة و حكم الغالب الأكبر!!
لكن غزة الصامدة الأبية، تأبى إلا ان تكون نقطة المقاومة و التمرد الوحيدة -تقريبا – التي ترفض رفع الراية البيضاء، ترفض تسليم أوراق إعتمادها لدى حكام البيت الأبيض ، و إن كنا لا نعلم لحدود الساحة من يتحكم في خيوط اللعبة الدولية حقا و حقيقة ، و أين تقع غرفة العمليات ، هل هي في البيت الأبيض أو في سراديب غرفة دموية حمراء..تتحكم في مصائر شعوب العالم !!
وما دمنا إستحضرنا نظام الأمم المتحدة و ميثاقها: لماذا لم تعترف إلى حدود الساعة الأمم المتحدة بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، و الإكتفاء بمنحها صفة المراقب، رغم أن دولة الكيان الصهيوني تأسست بقرار أممي بعد 1948؟!
فوفقا لمنطق القانون الدولي و الشرعة الدولية لا وجود لدولة فلسطين ، التي أختطفت بالكامل من طرف العصابات الصهيونية بعد 1948.. وقد شكل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين هدفاً لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي أعلن قيام دولة فلسطين في 15 نوفمبر 1988 في الجزائر، في جلسة استثنائية في المنفى للمجلس الوطني الفلسطيني. وقد تم الاعتراف بهذا القرار بسرعة من قبل عدد من الدول، وبحلول نهاية العام1988 تم الاعتراف بالدولة من قبل أكثر من 80 دولة. في فبراير 1989 أعلن ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اعتراف 94 دولة بدولة فلسطين .
و بموجب اتفاقيات أوسلو الموقعة بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر 1993 ، هذه الإتفاقيات لم تسفر عن قيام الدولة ، و جل ما نصت عليه هو إقامة “سلطة فلسطينية” كإدارة مؤقتة للحكم الذاتي في الأراضي الفلسطينية…
إن فلسطين كدولة غير معترف بها من قبل إسرائيل وبلدان أمريكا الشمالية، والاتحاد الأوروبي، وأستراليا وغيرها، على الرغم من أن هذه الدول تدعم بشكل عام حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتؤكد على أن إقامة هذه الدولة لا يمكن تحقيقه إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية..
وفي 29 نوفمبر 2012، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اقتراحا يغير وضع «كيان» فلسطين إلى «دولة مراقبة غير عضو» بتصويت 138 واعتراض 9، مع امتناع 41 عضوا عن التصويت.
واعتبارًا من 30 يوليو 2019، اعترفت 138 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعددها 193 بدولة فلسطين. غير أن العديد من البلدان التي لا تعترف بدولة فلسطين تعترف مع ذلك بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي “ممثل الشعب الفلسطيني” ..
فالأمم المتحدة بحسب منطوق ميثاقها، فهي تمتلك القوانين و الأليات لفرض السلم و الأمن، و تفعيل الفصل السابع و ما أدراك ما الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.. !! و الذي ينص على إتخاد إجراءات قسرية في حالة كان السلام مهددا، من قبيل فرض العقوبات الاقتصادية و كذلك اللجوء للقوة إذا تطلب الأمر ذلك، و ممارسة الضغوط على البلد بإجباره على الإلتزام بالأهداف التي حددها مجلس الأمن ..و بحسب البند 42 من الفصل السابع ” يجوز لمجلس الأمن القيام بأي تحرك يراه ضروريا للحفاظ على السلام و الأمن الدوليين أو لإعادة إحلالهما بواسطة قوات جوية أو بحرية أو برية..”
إن ما جرى في 7 أكتوبر و ما بعده من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان و إبادة جماعية مكتملة الأركان و تطهير عرقي واضح و فاضح، يدعو إلى تطبيق الفصل السابع، و فرض حل الدولتين بالقوة إن لزم الأمر ذلك ، لأن استمرار هذا النزاع يهدد صراحة السلم و الأمن الدوليين..
و إذا لم يتم تطبيق هذا الفصل أو تعذر على المستفدين من الوضع الراهن النزول عنده، فأنداك فإن هذا الميثاق برمته يجب أن يخضع للمراجعة و التحيين أو الفسخ ..
نحن نعلم أيها القارئ الكريم ، ان القوي و المنتصر في الحرب عادة هو من يضع القوانين ، كما نعلم علم اليقين أن القوة لا تحدها إلا القوة ، لذلك فإن هذا الميثاق الأممي المعتل و الأعرج ، لن يعدل إلا بعد حرب تتغير بموجبها موازين القوة ، و لعل حرب طوفان الأقصى ستكون الحرب الفاصلة التي ستغير النظام الدولي القائم ، و تغير بالتبعية بنود الميثاق الأممي القاصر و العاجز عن إقامة العدل و إنفاذ مبادئ القانون الدولي المعطل إلى حين..
فتحية لغزة العزة، تحية لنساءها وأطفالها شيبها وشبابها، تحية لمقاومتها الباسلة المحاصرين.. أنتم حماة شرف الأمة و مقدساتها.. لذلك، فأنتم أطهر أبنائها، وأصدق رجالها وخير أجنادها، أنتم شرف الأمة لأنكم تقدمون دمائكم الزكية، بصمودكم و تضحياتكم تغيرون مصير الأمة و البشرية ككل..حفظكم الله من مكر الماكرين و حقد الحاقدين ..و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..