لقد تصاعدت العمليات الإسرائيلية ضد المسلحين في الضفة الغربية إلى مستوى لم نشهده منذ الانتفاضة الثانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقد أُجبر عشرات الآلاف على الفرار من منازلهم، حيث قال وزير الدفاع الإسرائيلي إنهم لن يُسمح لهم بالعودة. وللمرة الأولى منذ عقدين من الزمان، أرسلت القوات الإسرائيلية دبابات إلى مدينة جنين وأنشأت موقعًا عسكريًا في مدينة أخرى، طولكرم.
وجود عسكري طويل
ويبدو أن إسرائيل تضع الأساس لوجود عسكري طويل الأمد في المنطقة، ويحذر المسؤولون الفلسطينيون من “تصعيد خطير” يهدد بجيل جديد من النزوح وإعادة أجزاء من الضفة الغربية إلى السيطرة العسكرية.
بعد يومين فقط من دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس حيز التنفيذ في غزة في 19 يناير/كانون الثاني، حولت القوات الإسرائيلية تركيزها إلى المسلحين في شمال الضفة الغربية، أي جنين وطولكرم وطوباس ــ وخاصة مخيمات اللاجئين هناك.
ويخشى الفلسطينيون من أن تكون هذه العمليات التوسعية بمثابة خطة للتهجير الواسع النطاق وإعادة تأكيد السيطرة الإسرائيلية على المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية، وهي الهيئة شبه المستقلة التي تدير أجزاء من الضفة الغربية منذ اتفاقيات أوسلو عام 1993.
ويقدر الخبراء أن نحو 40 ألف شخص نزحوا منذ 21 يناير/كانون الثاني، عندما بدأت العملية الإسرائيلية الأخيرة. وهم الآن يلجأون إلى كل مكان، من قاعات الأفراح والمدارس إلى المساجد والمباني البلدية.
ورغم أن نحو ثلاثة آلاف شخص عادوا إلى ديارهم في طوباس منذ انتهاء العمليات العسكرية، فإن نزوح هذا العدد الكبير من الناس أثار ذكريات مؤلمة عن النكبة، وهي الكلمة العربية التي استخدمت للإشارة إلى النزوح الجماعي وطرد الفلسطينيين خلال حرب عام 1948 التي أدت إلى إنشاء دولة إسرائيل. ومعظم الفلسطينيين الذين أجبروا على الفرار الآن هم من مخيمات اللاجئين التي أقيمت لإيواء النازحين في عام 1948.
إسرائيل تتعهد بمواصلة العملية!
وتقول إسرائيل إن هذه الحملة تأتي ردا على التهديد المتزايد من جانب المسلحين في الضفة الغربية. وينفي الجيش الإسرائيلي أي عمليات إخلاء قسري، لكنه قال إنه أمر الناس بمغادرة المباني القريبة مما قال إنه مخابئ للمسلحين.
في يوم الأحد، أرسلت إسرائيل ثلاث دبابات إلى الضفة الغربية، بعد انفجار قنابل في ثلاث حافلات فارغة في تل أبيب يوم الخميس الماضي، والعثور على عبوة ناسفة رابعة وتفكيكها. ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات، لكن الشرطة قالت إن الأجهزة تشبه المتفجرات المصنعة في الضفة الغربية، وقد صدمت هذه الأنباء الإسرائيليين، الذين خشوا العودة إلى التفجيرات القاتلة التي وقعت في منتصف التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قُتل جنديان إسرائيليان عندما وسع الجيش حملته في الضفة الغربية، بعد وقت قصير من بدء السلطة الفلسطينية عمليتها القاتلة ضد المسلحين في المنطقة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد إن القوات الإسرائيلية ستبقى في الضفة الغربية “ما دام ذلك ضروريا”. وقال وزير الدفاع يسرائيل كاتس إنه أمر الجيش “بعدم السماح للسكان بالعودة وعودة الإرهاب”.
وتأتي هذه التصريحات بعد زيارة الزعيمين لأحد أحياء مخيم طولكرم للاجئين، وهي الزيارة التي اعتبرت استفزازية للفلسطينيين لأن المنطقة تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.
توسع السيطرة الإسرائيلية
ويقول مسؤولون فلسطينيون في بلدية جنين إن هناك مؤشرات أيضا على أن القوات الإسرائيلية تسعى إلى فرض سيطرة طويلة الأمد على أجزاء من شمال الضفة الغربية.
وقال محمد جرار رئيس بلدية جنين إن السلطات الإسرائيلية سعت إلى إقناع المسؤولين المنتخبين محلياً بإعادة فتح المدينة على الرغم من العمليات العسكرية الإسرائيلية الجارية. واقترحت السلطات الإسرائيلية خططاً لبناء طرق جديدة، والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للفلسطينيين هو تحويل مخيم جنين للاجئين إلى منطقة تابعة للمدينة. وقد يؤدي هذا فعلياً إلى إجبار وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على الخروج، وزعزعة النسيج الاجتماعي في جنين. لكن جرار قال إن المسؤولين الإسرائيليين بدوا عازمون على المضي قدماً في الخطة دون موافقتهم.
ويبدو أن هذه الجهود هي أيضًا محاولة من جانب إسرائيل لتهميش السلطة الفلسطينية، حسبما قال مسؤولون محليون.
وقال السيد جرار “إنهم يريدون من الناس أن يتعايشوا ويقبلوا وجودهم في المنطقة، وهذا يشير إلى خطة طويلة الأمد. إن ما يحدث في جنين لا يمكن وصفه إلا بإعادة احتلال المدينة”.
وتسببت العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية في دمار واسع النطاق، وفي العام الماضي، شنت قوات الدفاع الإسرائيلية بعضاً من أكثر حملاتها تدميراً في الضفة الغربية منذ عقود. ووفقاً لمسؤولين محليين، أطلقت الحملات هذا العام موجة جديدة من الدمار.
وقال مدير خدمات مخيم طولكرم فيصل سلامة، إن قوات الاحتلال أغلقت مخيمين للاجئين في مدينة طولكرم، في الأسابيع الأخيرة، كما تعرضت بعض المحال التجارية في بعض الأحياء للمضايقات والاحتجاز لساعات.
وفي جنين، هدمت السلطات المحلية نحو 120 منزلاً، فيما يقول مسؤولون محليون إن أكثر من 50 مبنى هدمت في طولكرم.
هدنة غزة قد تنتهي خلال أيام دون التوصل إلى اتفاق لتمديدها.. ماذا سيحدث بعد ذلك؟
وأدت الجرافات إلى تدمير مساحات واسعة من الطرق وقطع خطوط الصرف الصحي، كما انقطعت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات في العديد من المناطق.
وقال جرار إنه رغم الحملات المستمرة فإن قوات الاحتلال طلبت من المسؤولين في مدينته البدء بالعمل على تعبيد الطرق، وهو الطلب الذي وصفه بأنه “سخيف” لأن الطرق التي يتم تعبيدها مرارا وتكرارا يتم شقها بواسطة المركبات الإسرائيلية، مما يخلق عملا دفع السلطات المحلية نحو الإفلاس.
وفي خطوة أخرى أثارت شكوك السكان المحليين، عرضت إسرائيل دفع تكاليف إعادة الرصف، وهو الأمر الذي قال جرار إن السكان المحليين لا يمكنهم قبوله على الإطلاق.
وقال رئيس البلدية “نرفض التعاون مع الاحتلال بأي شكل من الأشكال”.