يبدو أن الأزمات التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مستمرة دون توقف، رغم التهدئة الهشة المعلنة وتوقف حرب الإبادة “مؤقتًا”، فالجميع يترقب بخوف السيناريوهات التي تنتظرهم خلال الأيام المقبلة، وخصوصًا بعد القمة العربية التي عُقدت أمس، والقرارات التي اتُّخذت بخصوص قطاع غزة وإعادة إعماره والخطة المصرية لليوم التالي للحكم فيه.
صحيح أن حرب الإبادة توقفت، ولكن حروبًا أشرس وأكثر فتكًا بدأت تطفو على السطح من جديد، منها حرب الماء والإعمار، وأطنان الدمار، وقلة الطعام، وارتفاع الأسعار، الأمر الذي سيزيد من معاناة أهل غزة المغلوبين على أمرهم، مما يجعلنا نستشرف بعض السيناريوهات المستقبلية للوضع في غزة خلال الفترة المقبلة.
دعونا نبدأ من تصريحات قادة حماس حول ترحيب الحركة بالمبادرة المصرية، دون إعلان الموافقة الصريحة، الأمر الذي يعكس موقفًا تكتيكيًا يهدف إلى إبقاء قنوات التواصل مفتوحة دون تقديم تنازلات مبكرة.
إن استخدام قادة حماس كلمة “المناقشة” يعني أن الحركة لا تزال تسعى لضمان أن أي حل سياسي أو أمني يخدم مصالحها الاستراتيجية، سواء كان ذلك من خلال ضمان استمرار دورها في الحكم أو تحسين شروط التفاوض مع إسرائيل والوسطاء الدوليين، مما يشير إلى أنه في حال استمرت حماس في هذا النهج، فمن المرجح أن نشهد جولات جديدة من الحوار مع مصر وقطر وربما أطراف أخرى مثل الولايات المتحدة، مع التركيز على تفاصيل مثل آلية الإعمار، وضعية المعابر، والترتيبات الأمنية، لكن دون التوصل إلى توافق نهائي، سيظل الوضع في غزة هشًّا، مع استمرار حالة عدم اليقين.
أما موقف حركتي الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية الرافض لوجود أي قوات دولية في غزة، فيعكس خشية هذه الفصائل من أن يكون ذلك مقدمة لإضعاف نفوذها العسكري والسياسي، لأن هذه الفصائل تعتبر وجود أي قوات دولية بمثابة محاولة لإعادة تشكيل المشهد الأمني بما يخدم مصالح إسرائيل أو السلطة الفلسطينية أو قوى إقليمية معينة.
إذا استمر هذا الرفض القاطع، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد سياسي أو حتى ميداني، خاصة إذا حاولت الأطراف الإقليمية أو الدولية فرض واقع جديد في غزة دون توافق داخلي. السيناريو الأكثر احتمالية هو أن هذه الفصائل ستحاول الضغط عبر المفاوضات ووسائل الإعلام، لكنها قد تلجأ إلى عمليات عسكرية محدودة لإرسال رسائل تحذيرية إذا شعرت بأن هناك تحركات فعلية لنشر قوات دولية.
وعودة الحديث عن “المناقشات” تذكرنا بتجارب المصالحة السابقة التي لم تصل إلى نتائج ملموسة. في ظل هذا التباين في المواقف بين حماس من جهة، والجهاد والجبهة الشعبية من جهة أخرى، قد نشهد حالة من التوتر الداخلي في غزة، حيث قد تجد الفصائل المسلحة نفسها أمام خيارين:
• إما القبول بحل سياسي تدريجي يسمح بإعادة الإعمار مع الحفاظ على نفوذها العسكري جزئيًا.
• أو رفض أي تدخل دولي أو عربي، مما يعني استمرار العزلة الدولية وتصعيد الضغوط الاقتصادية والأمنية على غزة.
إذا استمرت هذه الخلافات بين الفصائل الفلسطينية، فقد يكون السيناريو الأكثر ترجيحًا هو بقاء الوضع الراهن لفترة أطول، مع مفاوضات متقطعة وتوترات متزايدة.
إذن، فهل سنشهد جولة تصعيد جديدة؟ أعتقد أنه في ظل هذه المعطيات، فإن احتمالات التصعيد ما زالت قائمة، خصوصًا إذا استمرت إسرائيل في فرض شروطها الأمنية الصارمة، أو إذا حاولت جهات دولية فرض ترتيبات ميدانية لا تحظى بتوافق الفصائل الفلسطينية. وأي محاولة لإدخال قوات دولية بالقوة قد تؤدي إلى اشتباكات داخلية أو عمليات مقاومة ضد هذه القوات، مما قد يعيد الأوضاع إلى مربع العنف.
إن المشهد في غزة لا يزال معقدًا، حيث تظل الخيارات بين التسوية الجزئية المشروطة أو استمرار حالة الجمود والتوتر، وفي ظل غياب توافق واضح بين الفصائل الفلسطينية، فإن أي تغيير جوهري في الوضع الميداني قد يكون بطيئًا ومليئًا بالتحديات، مع احتمال بقاء غزة عالقة بين الضغوط الدولية والإقليمية ومصالح الفصائل المحلية. كان الله بعون أهلنا في غزة!