هل تمثل عودة القتال في قطاع غزة بين دولة إسرائيل وحركة حماس انعكاسا لعقلية انتحارية لدى الحركة تسعى من خلالها إلى تعريض سكان غزة للموت معها؟ الإجابة تكمن في تحليل الديناميكيات المعقدة للصراع الحالي، حيث تظهر الأدلة الميدانية أن حماس تتبنى نهجا يقوم على استغلال معاناة المدنيين كورقة ضغط سياسية، متجاهلة بذلك المبادئ الإنسانية والدينية التي تدّعي تمثيلها.
في الثامن عشر من مارس 2025، شهد قطاع غزة استئنافا للعمليات العسكرية الإسرائيلية بعد هدنة هشة استمرت لشهرين، وذلك في سياق محاولات دولة إسرائيل المستمرة لاستعادة المخطوفين وجثث القتلى الذين سقطوا خلال هجمات السابع من أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي واختطاف 251 آخرين.
ولكن ما هي الدوافع الحقيقية وراء إستراتيجية حركة حماس في الصراع الحالي مع إسرائيل؟ إن التحليل الموضوعي للممارسات الميدانية للحركة يكشف عن عقلية متطرفة تتجاوز مجرد المقاومة المسلحة لتصل إلى حد استغلال المدنيين كأدوات في صراع إستراتيجي.
تتجلى العقلية المتطرفة لحركة حماس في هجمات السابع من أكتوبر 2023، التي مثلت انتهاكا صارخا لكل الأعراف والمواثيق الدولية. وتبرز إستراتيجية “الانتحار الجماعي” كإحدى أخطر الممارسات التي تتبناها حماس، فالحركة تدرك تماما التفوق العسكري الإسرائيلي، ومع ذلك تتعمد استفزاز دولة إسرائيل وجرها إلى مواجهة عسكرية شاملة، مدركة أن ثمن هذه المواجهة سيدفعه المدنيون الفلسطينيون.
التحليل الموضوعي للوقائع يكشف بوضوح أن حماس تتحمل مسؤولية أخلاقية جسيمة عن المعاناة المتفاقمة للمدنيين الفلسطينيين من خلال إستراتيجية متعمدة تقوم على استغلال معاناتهم كورقة سياسية
ومن المظاهر الأكثر خطورة في ممارسات حماس استخدام المدنيين كدروع بشرية، حيث تتعمد إقامة منشآتها العسكرية ومخازن أسلحتها في مناطق مدنية مكتظة بالسكان، وتستخدم المستشفيات والمدارس كمواقع لإطلاق الصواريخ. كما تبرز قضية المخطوفين الإسرائيليين كمثال صارخ على العقلية الإجرامية لحماس، حيث تستخدمهم كورقة مساومة، رافضة الاستجابة للمبادرات الدولية لإطلاق سراحهم دون شروط تعجيزية.
وهنا نتساءل ما هي التكلفة الإنسانية الحقيقية التي يتحملها المدنيون في غزة نتيجة لممارسات حركة حماس؟ إن الإجابة تكشف عن مأساة إنسانية متعددة الأبعاد، حيث يجد سكان القطاع أنفسهم محاصرين بين مطرقة العمليات العسكرية الإسرائيلية وسندان السياسات الاستغلالية لحركة حماس.
تشير التقارير الميدانية إلى أن استئناف القتال في مارس 2025 قد أسفر عن مقتل أكثر من 500 فلسطيني خلال أيام قليلة، لتضاف إلى حصيلة ثقيلة بلغت نحو 48 ألف قتيل منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023. وتواجه المستشفيات والمراكز الطبية في غزة وضعا كارثيا، مع نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، بينما يعاني السكان من أزمة غذائية غير مسبوقة.
وتفاقم هذه الأزمة ممارسات حماس المتمثلة في الاستيلاء على جزء من المساعدات الإنسانية وتوجيهها لصالح عناصرها، مما يحرم المدنيين من حقهم في الحصول على هذه المساعدات. وفي الوقت ذاته، يعيش قادة الحركة في الخارج في الفنادق الفخمة والفلل، بعيدا عن المعاناة اليومية التي يواجهها السكان العاديون.
حركة حماس المعروفة أنها نتاج الفكر الإخواني وتحمل شعارات دينية هل تتوافق ممارساتها مع المبادئ الإسلامية التي تدعي تمثيلها؟ إن التحليل الموضوعي للسلوك الميداني للحركة يكشف عن تناقض صارخ بين ادعاءاتها الدينية وأفعالها التي تخالف جوهر الإسلام وقيمه الأساسية.
يقوم الإسلام على منظومة قيمية متكاملة تضع حماية الإنسان وكرامته في مركز اهتمامها، وقد أرسى النبي محمد قواعد واضحة للسلوك في الحرب، تحرّم استهداف المدنيين وغير المقاتلين، وتنهى عن التمثيل بالقتلى، وتدعو إلى معاملة الأسرى معاملة إنسانية كريمة.
في ظل هذا الوضع المأساوي، يبرز السؤال الأكثر إلحاحا: ما هو مستقبل غزة في ظل استمرار سيطرة حماس عليها؟ إن الإجابة تتطلب تغييرا جذريا في النهج المتبع في التعامل مع القضية
وتتجلى مخالفة حماس لهذه المبادئ في هجمات السابع من أكتوبر 2023، التي استهدفت المدنيين الإسرائيليين بشكل مباشر ومتعمد. كما تتناقض ممارسة حماس المتمثلة في اختطاف المدنيين واحتجازهم كرهائن مع المبادئ الإسلامية التي تحكم معاملة الأسرى، فضلا عن استخدامها للمدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، في حين أن الإسلام يؤكد على حرمة النفس البشرية ويحرم تعريضها للخطر.
ولعل أكثر جوانب التناقض إثارة للقلق هو استغلال حماس للخطاب الديني لتبرير ممارساتها، حيث تستخدم مصطلحات دينية مثل “الجهاد” و”الشهادة” لإضفاء شرعية دينية على أعمال العنف، متجاهلة الضوابط الشرعية الصارمة التي وضعها الإسلام لمفهوم الجهاد.
ما هي الخلاصة التي يمكن استنتاجها من تحليل سلوك حركة حماس وتأثيره على مصير سكان غزة؟ إن التحليل الموضوعي للوقائع والممارسات يكشف بوضوح أن حماس تتحمل مسؤولية أخلاقية جسيمة عن المعاناة المتفاقمة للمدنيين الفلسطينيين، من خلال إستراتيجية متعمدة تقوم على استغلال معاناتهم كورقة سياسية.
لقد أظهر تحليلنا للعقلية المتطرفة لحركة حماس كيف تتبنى الحركة إستراتيجية “الانتحار الجماعي” التي تسعى من خلالها إلى جر دولة إسرائيل إلى مواجهة عسكرية شاملة، مدركة تماما أن ثمن هذه المواجهة سيدفعه المدنيون الفلسطينيون. كما كشف تحليلنا عن الممارسات المنهجية لحماس المتمثلة في استخدام المدنيين كدروع بشرية، وأبرزنا التناقض الصارخ بين الخطاب الديني لحماس وممارساتها الفعلية.
ومن المفارقات المؤلمة أن حماس، التي تدعي الدفاع عن القضية الفلسطينية، قد أضرت بهذه القضية من خلال ممارساتها الإرهابية التي شوّهت صورتها على المستوى الدولي، وأضعفت التعاطف معها. فالهجمات التي تستهدف المدنيين، واختطاف الرهائن، واستخدام المدنيين كدروع بشرية، كلها ممارسات تتناقض مع القيم الإنسانية العالمية.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي، يبرز السؤال الأكثر إلحاحا: ما هو مستقبل غزة في ظل استمرار سيطرة حماس عليها؟ إن الإجابة تتطلب تغييرا جذريا في النهج المتبع في التعامل مع قضية غزة، يقوم على وضع مصالح المدنيين وحقوقهم في مقدمة الأولويات، وإنهاء سيطرة حماس على القطاع، وإيجاد بديل سياسي يلتزم بالقيم الإنسانية والمبادئ الديمقراطية، ويسعى إلى تحقيق مصالح السكان وتحسين ظروف حياتهم.