شهدت منطقة البحر الأحمر تصاعدًا ملحوظًا في التوترات خلال الأشهر الأخيرة، خاصة مع استهداف جماعة الحوثي المدعومة من إيران للسفن التجارية والعسكرية. هذا التصعيد دفع الولايات المتحدة إلى تكثيف وجودها العسكري في المنطقة، مما أثار تساؤلات حول إمكانية تدخل عسكري أمريكي مباشر في اليمن للإطاحة بالحوثيين.
التطورات الأخيرة:
في 15 مارس 2025، أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن هجوم جوي واسع النطاق على العاصمة اليمنية صنعاء، مستهدفًا مواقع للحوثيين، بما في ذلك الدفاعات الجوية والرادارات ومنصات إطلاق الطائرات بدون طيار. أسفرت هذه الضربات عن مقتل تسعة مدنيين وإصابة تسعة آخرين. وصرح ترامب بأن هذه العمليات تهدف إلى حماية المصالح الأمريكية وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، التي تأثرت بهجمات الحوثيين.
في 22 ديسمبر 2024، نفذت القوات الأمريكية ضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت تخزين الصواريخ ومرافق القيادة والتحكم التابعة للحوثيين في صنعاء. هدفت هذه الضربات إلى تعطيل عمليات الحوثيين التي تهدد السفن الأمريكية والتجارية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن. كما استهدفت الضربات الطائرات بدون طيار والصواريخ المضادة للسفن التابعة للحوثيين.
الدوافع المحتملة لأي تدخل أمريكي
إن أي تحرك عسكري أمريكي ضد الحوثيين لا يمكن فصله عن سياق المصالح الاستراتيجية في المنطقة. هناك عدة عوامل قد تدفع الإدارة الأمريكية للتفكير في تدخل عسكري واسع، من بينها:
- حماية الملاحة الدولية: تهديدات الحوثيين للسفن في البحر الأحمر أثرت على التجارة العالمية وأدت إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين. تدخل عسكري مباشر قد يكون خطوة لفرض السيطرة على خطوط الملاحة وحماية التجارة الدولية.
- الضغط على إيران: يُنظر إلى الحوثيين كأداة بيد إيران تستخدمها لتعزيز نفوذها في المنطقة. وبالتالي، أي تحرك أمريكي ضدهم قد يهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني.
- الالتزامات تجاه الحلفاء: دول مثل السعودية والإمارات، التي تعرضت مرارًا لهجمات الحوثيين، قد تضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر صرامة، خاصة بعد سنوات من الحرب التي لم تؤدِّ إلى إنهاء سيطرة الجماعة على صنعاء.
مواقف وتحليلات:
وفقًا لتقرير نشره موقع “يمن مونيتور” نقلًا عن وكالة “بلومبرج”، تجري الولايات المتحدة مناقشات مع حلفائها في الخليج بشأن عمل عسكري محتمل ضد الحوثيين، بهدف وقف هجماتهم على الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن. وأشار التقرير إلى أن هذه المناقشات لا تزال في مراحلها الأولية، مع تفضيل الحلول الدبلوماسية في هذه المرحلة.
من جانبه، حذر مركز صوفان للدراسات الأمنية من أن تدخل الحوثيين في الشحن التجاري عبر مضيق باب المندب قد يؤدي إلى تدخل أمريكي بسبب التداعيات السياسية والاقتصادية المحتملة. وأشار المركز إلى أن تصرفات الحوثيين قد تؤدي إلى انتقام أمريكي وتعريض المكاسب المتوقعة في المحادثات لإنهاء الصراع في اليمن للخطر.
تقليل المخاطر بأقل التكاليف
على الرغم من التصعيد العسكري الأخير، يبدو أن الولايات المتحدة تفضل حاليًا استخدام الضربات الجوية الدقيقة والعمليات الخاصة للحد من قدرات الحوثيين، بدلاً من شن غزو بري شامل. هذا التوجه يعكس الرغبة في تقليل المخاطر والتكاليف البشرية والمادية المرتبطة بالحروب البرية، خاصة في ظل التجارب السابقة في المنطقة.
ومع ذلك، قد تتغير هذه الاستراتيجية إذا استمرت تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية والمصالح الأمريكية. في هذه الحالة، قد تنظر الولايات المتحدة في دعم عمليات برية تنفذها قوات محلية أو إقليمية لإضعاف الحوثيين أو إجبارهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. هذا السيناريو قد يتطلب تنسيقًا مكثفًا مع الحلفاء في المنطقة وتقديم دعم لوجستي واستخباراتي للقوات المشاركة.
بينما لا توجد مؤشرات واضحة على نية الولايات المتحدة شن غزو بري شامل لليمن في الوقت الحالي، فإن التصعيد المستمر من قبل الحوثيين قد يدفع واشنطن إلى إعادة تقييم خياراتها. تبقى الدبلوماسية والضغوط الدولية أدوات رئيسية في محاولة حل الأزمة، ولكن إذا استمرت التهديدات للملاحة الدولية والمصالح الأمريكية، فقد تصبح الخيارات العسكرية الأكثر شمولاً مطروحة على الطاولة.