أسفرت قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، التي عُقدت يوم الخميس، عن دعم أوكرانيا، وهو ما رفضته حكومة المجر الموالية لروسيا وحدها. وفي الوقت نفسه، أكدت القمة على الرغبة في زيادة قدرات سياسة الدفاع المشتركة بشكل كبير. فبعد سنوات من الاكتفاء بإعلان النوايا بشأن الحكم الذاتي الاستراتيجي، دفع احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتغير موقفه تجاه كييف بروكسل إلى تقبّل حقيقة مفادها أن أقرب حليف لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد الحليف الذي كان عليه طيلة ثمانية عقود.
يضاف إلى ذلك تقدم القوات الروسية على الجبهة، واستعادتها للأراضي المفقودة في منطقة كورسك، التي تحتلها القوات الأوكرانية جزئيًا. وعلى الرغم من أن قرار ترامب المحتمل بمنع المساعدات الاستخباراتية الأميركية أثبت أهميته لصمود أوكرانيا وقدرته على فرض شروطه، فإن الوضع لم يتدهور بشكل كبير. وفي هذه الحرب، تظل السياسة والتوقيت عنصرين أساسيين: فالمقاومة بحد ذاتها تُعد إنجازًا رائعًا بالنسبة للطرف الأضعف.
كما أظهر المجلس الأوروبي قدرته على تبديد شبح الانقسام الداخلي، من خلال تحييد تأثير انسحاب المجر من أي إجراءات تُشير إلى بوتين باعتباره الغازي. ففي أوقات سابقة، كان بإمكان المجر شلّ حركة الاتحاد الأوروبي، وقد فعلت ذلك بالفعل عندما أوقفت تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي للجيل القادم في أعقاب الوباء. لكن الآن، بدأت قدرتها على التعطيل تتراجع، والأهم من ذلك أن موقف الدول الـ 26 الأخرى، التي تجاهلت هذا الاستياء، يشير إلى مستقبل مختلف لأوروبا.
إن هذا المستقبل، الذي يقوم على هيكلية متغيرة، سيتعين بناؤه بعيدًا عن الإجماع المفروض بموجب المعاهدات، لتجنب الشلل. وسيكون ذلك شرطًا أساسيًا لأوروبا أكثر فاعلية، تعتمد على دول مثل المملكة المتحدة، والنرويج، وأيسلندا، وحتى كندا وتركيا، في مواجهة التحديات الأمنية. إن مجرد إمكانية دراسة مثل هذا السيناريو واستكشافه من شأنه أن يعزز الجهود الدفاعية الأوروبية، التي أضحت ضرورية في ظل تغير موقف واشنطن تجاه كييف وبروكسل على حد سواء.
لقد حظي التزام الاتحاد الأوروبي بزيادة الإنفاق الدفاعي بدعم الدول السبع والعشرين، ما يتيح تسريع عملية “إعادة التسليح” التي تحدثت عنها أورسولا فون دير لاين رسميًا، والتي أعيدت تسميتها – تحت تأثير إسبانيا وإيطاليا – بـ”الإعداد الدفاعي”، وهو مصطلح مخفف يسعى إلى تجنب الإيحاء بالطابع العسكري الصريح للمبادرة أمام الرأي العام.
وقد صُممت الاستراتيجية الجديدة – كما وردت في “الكتاب الأبيض بشأن الدفاع الأوروبي”، الذي قُدم هذا الأسبوع – بشكل أفضل من حيث الاحتياجات والأهداف، لا من حيث الأولويات. ومع ذلك، لا تزال تعطي وزناً أكبر للإنفاق على الأسلحة التقليدية مقارنة بالاستثمار الأوروبي الانتقائي في هذا المجال أو تمويله. ويعد القرض المشترك بقيمة 150 مليار يورو للدفاع مؤشرًا جيدًا في ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة، لكنه يظل غير كافٍ، إذ يمثل جزءًا بسيطًا من إجمالي الإنفاق الإضافي المخطط له، والمقدر بـ 800 مليار يورو. وبعبارة أخرى، لا تزال الحاجة إلى عمليات الشراء الأجنبية، وخاصة من المورد الرئيسي، الولايات المتحدة، تحظى بالأولوية على تلك التي تعزز الاستقلال الصناعي والتكنولوجي والسياسي الحقيقي للدفاع الأوروبي. وعلى أي حال، يبدو أن هذا التغيير الاستراتيجي قد أصبح أمرًا لا رجعة فيه.
البايس الإسبانية