مؤخرا توترت الأوضاع، بين أمريكا وإيران، بطريقة مخيفة، حسب الإعلام وتصريحات مسؤولي الدولتين.. وكأن قيام أمريكا ترامب بضرب إيران صار على الأبواب.. من الجانب الثاني وبالتوازي زمنيا؛ كان ترامب قد أرسل رسالة إلى السيد علي خامنئي المرشد الإيراني وصاحب القرار الأول والأخير في إيران. الرسالة بعد توطئة المديح لإيران شعبا وتاريخا، وما ينتظرها أو ما ينتظر الشعوب الايرانية من تطور وتنمية، إن هي، أو إن وافق صاحب القرار في إيران على البدء بمفاوضات مباشرة مع الجانب الأمريكي، وبخلافه ستقوم أمريكا بتدمير كل ما بنته إيران خلال عقود.. الرسالة نقلتها الإمارات لإيران.
في الوقت ذاته قامت أمريكا بحشد قواتها على مقربة من السواحل الإيرانية، وفي قاعدة أمريكية بريطانية على جزيرة في المحيط الهندي، على بعد أكثر من 3 آلاف كيلومتر. قادة إيران لم يردوا سريعا على رسالة ترامب، قالوا إنهم سيدرسونها، ومن ثم يتم الرد عليها.. فعلا قبل أكثر من أسبوعين؛ رد مسؤولو إيران على رسالة ترامب، ليس عبر الإمارات، بل عبر سلطنة عمان، وهذا له بعد سياسي محسوب إيرانيا.
مغازلة النظام الإيراني
ترامب طالب إيران، أولا بتفكيك برنامجها النووي على غرار برنامج ليبيا.. وأن يكون نشاط السياسة الإيرانية داخل حدودها الجغرافية، أي لا تتدخل في جوارها العربي وغير العربي، وهذا يعني إبرام اتفاق جديد لبرنامجها النووي، يختلف تماما عن اتفاق عام 2015. أما إيران فقد ردت على هذه الرسالة، برسالة تضمنت الآتي:
أولا، المفاوضات يجب ألا تكون تحت التهديد.
ثانيا، قاعدة التفاوض، أو إطار التفاوض، هو اتفاق عام 2015.
ثالثا، الصواريخ وكل أسلحة إيران لا تخضع للتفاوض.
رابعا، عند بدء التفاوض يجب أن تقوم أمريكا برفع، ولو جزئي، للعقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران.
لاحقا، قال ترامب؛ إن إيران عظيمة وشعب إيران عظيم، وهو مغازلة للنظام الإيراني. في المقابل إيران أبدت مرونة في هذا الاتجاه وهي مرونة محسوبة وواضحة تماما، من قبيل إيقاف دعمها لحركة أنصار الله الحوثية في اليمن، وسحب مستشاريها العسكريين من اليمن. ترامب بالغ كثيرا بشروط المفاوضات، وربما هو لا يعنيها، وهذا ما حدث في المفاوضات غير المباشرة، التي انتهت قبل أيام بين الجانبين، وحسب تصريحات وزير الخارجية الإيراني، الذي رأس وفد بلاده إلى مفاوضات مسقط؛ لم تتم مناقشة أي من شروط ترامب، فقط تم بحث الملف النووي الإيراني.
القبول بشروط أمريكا
ستيف ويتكوف الذي ترأس الوفد الأمريكي في المفاوضات أشاد بالمفاوضات وقال، إنها كانت إيجابية جدا. أما عباس عراقجي وزير خارجية إيران فقال عن الوفد الأمريكي، إنه بذل جهودا كبيرة لإنجاح المفاوضات وجعلها مفاوضات جدية. ترامب بعد انتهاء المفاوضات قال إن إيران بإمكانها أن تكون دولة عظيمة، ولا تضطر أمريكا إلى خطوات أخرى قاسية إن فشلت المفاوضات، أو أنها لم تأت بالنتائج المرجوة. الإعلام الأمريكي؛ سرّب أن المفاوضات في جولتها الثانية، ستعقد في 19 أبريل الجاري في روما عاصمة إيطاليا، إلا أن إيران قالت إن المفاوضات في جولتها الثانية ستعقد في مسقط. هذا يعني أن هناك خلافا حول مكان عقد الجولة الثانية بين جانبي التفاوض، إلا أن التصريح الإيراني أكد أن المفاوضات سيتم عقدها في مسقط؛ ما يعني تغليب إرادة إيران حول مكان عقد الجولة الثانية.
التسريب الإعلامي الأمريكي المؤكد من مصادر رسمية، حسبما نقله موقع أمريكي وثيق الصلة بالإدارة الأمريكية، أن المسؤولين الإيرانيين لا يمكن لهم القبول بشروط أمريكا ترامب؛ لأنهم إن قبلوا بها فستحدث هزة عنيفة جدا داخل النظام الإيراني، خاصة مسألة الصواريخ وكل ما له صلة بها من بقية الأسلحة، أما الفضاء الجيوسياسي فسيخضع للمرونة والمناورة البراغماتية، التي عرف قادة إيران بممارستها خلال الـ40 عاما المنصرمة.
علي خامنئي في آخر تصريح له، قال، إنه ليس متفائلا أو متشائما أكثر مما ينبغي، وهذا تطور مهم من المرشد الايراني، أو بالأحرى تحول واضح، او تغير بَيًن، في موقف علي خامنئي من المفاوضات مع أمريكا، وعليه، من المحتمل جدا؛ ان ينحصر التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني لا غيره. أمريكا، وكما يقول ترامب وكل أركان إدارته إنهم يريدون ألا تكون إيران دولة نووية، وهذا يتطابق مع فتوى المرشد الايراني حول (تحريم صناعة السلاح النووي) من هذا الباب يكون الطريق إلى الاتفاق مفتوحا.
هيكلة أنظمة المنطقة
إيران مستعدة لتخفيض نسبة التخصيب إلى الحدود المتفق عليها، اما التخلي عن دورة الوقود النووي فهذا أمر لا تقبل به إيران، أما بشأن مخزونها من اليورانيوم المخصب، فلا يمكن لها أيضا التخلي عنه، حسب تصريحات كل المسؤولين الإيرانيين. أمريكا تريد أن تحقق السلام في المنطقة العربية ليس حبا بالسلام، بل التفرغ؛ لتصفية القضية الفلسطينية، وإعادة هيكلة أنظمة المنطقة العربية سياسيا، وربما لاحقا جغرافيا، ليس على طريقة إقامة دول جديدة على أنقاض القائمة أصلا، بل فدرلتها على الطريقة الكونفدرالية، العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، وربما السودان.
أمريكا لن تقوم بتوجيه ضربات إلى إيران، حتى إن تعثرت المفاوضات، وتم تعليقها لسبب أو لآخر، بل ستبحث عن طريق آخر بالعودة إليها، وهي من وجهة نظري لن تفشل، إنما سقت هذا الافتراض؛ لاستظهار، أن امريكا وفي كل الاحوال والظروف لن تشن حربا على إيران، حتى لو ضربات منتخبة لأسباب تكتيكية واستراتيجية تتعلق بوجودها ونفوذها في الخليج العربي، وفي عموم المنطقة العربية لجهة المستقبل البعيد.. في المقابل إيران أيضا تمارس سياسة تقوم على قاعدتين، الصبر الطويل، والصمود المرن. في النهاية، سيتم إيجاد منطقة وسط للاتفاق بينهما، وبمساعدة روسيا ربما.. هنا تكون إيران قد تم الاعتراف بها دولة العتبة النووية (دورة الوقود النووي، وليس دولة نووية لناحية صناعة السلاح النووي).
الهشاشة الاستراتيجية
ملاحظة لا بد منها في هذا السياق؛ إن ما يخطط لحاضر العرب ولمستقبلهم خطير جدا، بل أخطر مما هو في متناول الإعلام والتصريحات، وبالذات القضية الفلسطينية. هناك بعض الأنظمة العربية تشكل قناطر يعبر من فوقها هذا المخطط الأمريكي الإسرائيلي. في السياق عينه؛ لماذا أمريكا ترامب تتودد إلى إيران وقادة إيران؟ لأن إيران دولة ذات سيادة وقرار مستقل على ركائز وأعمدة من القوة والاقتدار العسكري حصريا. ولماذا تتعامل مع الدول العربية على غير تعاملها مع إيران، مع أن إيران ألحقت أضرارا كبيرة بمصالح أمريكا؟ السبب أن الأنظمة العربية لم تستطع تنمية مواردها العسكرية، وامتلاك القوة والاقتدار في استثمار مواردها، سواء البشرية أو المالية لجلب سلاح القوة، وتوطين صناعته في دولها، إضافة إلى عدم استخدام القدرات المالية والاقتصادية والثروات، على الأقل، في تحييد مراكز صناعة القرار الدولي لصالح مصالحهم وقضاياهم المصيرية.
دولة الاحتلال الإسرائيلي، كيان إمبريالي يعتمد على الدعم المالي والعسكري والسياسي والدبلوماسي، من اللوبيات الإسرائيلية في أمريكا وفي أوروبا الغربية، وحتى في روسيا؛ عليه فهو كيان هش استراتيجيا. رغم هذه الهشاشة الاستراتيجية؛ يواصل جرائمه في غزة وفي الضفة الغربية، من دون خوف او خشية من عواقب جرائمه هذه عليه، دوليا وإقليميا وعربيا، وعلى اقتصاده ومجتمعه للأمد اللاحق. لأن الأنظمة العربية ضعيفة البنية والتكوين، بما يجعل منها هياكل مبهرجة، تسر الناظر إليها، لكنها قابلة للسقوط بأي هزة مهما كانت ضعيفة، يبحثون عن الحماية والأمن والسلام من أمريكا، والبعض منهم حتى الآن من الكيان الإسرائيلي الهش والمحتل للأرض العربية، سواء في فلسطين أو في الدول العربية الأخرى.