اختتمت في العاصمة الإيطالية روما، أمس السبت، جولة ثانية من المفاوضات الرفيعة المستوى بين وفدي أمريكا وإيران بشأن برنامج طهران النووي، وسط أجواء من الترقب الحذر والتفاؤل الممزوج بالحذر إزاء إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة المستمرة.
وجاءت جولة مفاوضات روما بعد أسبوع واحد من انعقاد جولة أولى مماثلة في العاصمة العمانية مسقط، حيث لعبت سلطنة عمان مجددًا دور الوسيط الحيوي بين الفريق الأمريكي، بقيادة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، والفريق الإيراني، برئاسة نائب وزير الخارجية عباس عراقجي.
“تقدم جيد جدًا” و”اتفاق على لقاء آخر”.. تفاؤل حذر من واشنطن!
أعربت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تفاؤلها الحذر عقب انتهاء محادثات روما، مشيرة إلى تحقيق “تقدم جيد جدًا” بين الجانبين، وإلى اتفاقهما على عقد اجتماع آخر في الأسبوع المقبل لمواصلة النقاشات.
وصرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لشبكة CNN: “على مدار 4 ساعات في جولتنا الثانية من المفاوضات، أحرزنا تقدمًا جيدًا جدًا في مناقشاتنا المباشرة وغير المباشرة”.
“إيجابية وتفاهم أفضل”.. إيران تؤكد التقدم مع تحفظ!
من جانبه، وصف عباس عراقجي المفاوضات بأنها كانت “إيجابية”، وصرح للصحفيين عقب انتهائها بأنها استغرقت حوالي أربع ساعات. وقال: “يمكنني القول إن هناك تقدمًا. لقد توصلنا إلى تفاهم واتفاق أفضل بشأن بعض المبادئ والأهداف في مفاوضات روما هذه”.
ومع ذلك، أبدى عراقجي تحفظًا واضحًا في منشور له على منصة “إكس”، مؤكدًا أن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه عام 2015، والمعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، “لم يعد كافيًا بالنسبة لنا”. وأضاف: “بالنسبة لهم، ما تبقى من هذا الاتفاق هو دروس مستفادة”، مشيرًا إلى أنه “في الوقت الحالي، قد يكون التفاؤل مبررًا، ولكن بحذر شديد”.
خبراء فنيون في مسقط وجولة ثالثة مرتقبة!
أعلن مسؤولون إيرانيون عن بدء مفاوضات بين الخبراء الفنيين من الجانبين في سلطنة عمان يوم الأربعاء، وذلك تمهيدًا لجولة ثالثة من المفاوضات رفيعة المستوى. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن الجولة الثالثة ستعقد يوم السبت المقبل، وهو ما أكدته أيضًا وزارة الخارجية العمانية، مشيرة إلى أن الاجتماع سيُعقد في مسقط.
عداء تاريخي وتطلعات نووية.. تعقيدات المفاوضات!
يُذكر أن العداء بين الولايات المتحدة وإيران يعود إلى عقود طويلة، وقد تصاعد الخلاف بينهما بشكل خاص حول برنامج إيران النووي. وتسعى واشنطن إلى ضمان وقف إيران لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، الذي تخشى من استخدامه في صنع أسلحة نووية.
وقد أكدت إيران هذا الأسبوع على “حقها” في تخصيب اليورانيوم، لكنها أبدت في الوقت نفسه استعدادها للتفاوض على بعض التنازلات مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة عليها، والتي أثرت بشدة على اقتصادها.
وساطة عمانية وغرف منفصلة.. آلية التفاوض غير المباشر!
أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن الجولة الثانية من المفاوضات في روما اتبعت نفس آلية الجولة الأولى، حيث لم يتواصل الوفدان الأمريكي والإيراني بشكل مباشر. وبدلاً من ذلك، جلس المندوبون في غرف منفصلة، وتولى وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي مهمة الوساطة بينهما.
ولم يلتقِ المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف ونائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلا لفترة وجيزة خلال الجولة الأولى من المفاوضات، وهو ما يمثل استمرارًا لنهج التفاوض غير المباشر الذي لم تشهده العلاقات بين البلدين منذ فترة رئاسة باراك أوباما.
ترامب “ليس في عجلة من أمره” لضرب إيران.. لكن التهديد قائم!
تأتي هذه الجولة الأخيرة من المفاوضات في ظل أجواء إقليمية متوترة، سبقتها موجة من النشاط الدبلوماسي المكثف من قبل حلفاء وخصوم الطرفين على حد سواء، سعيًا لفهم أهداف المفاوضات والتأثير عليها.
وقد ضعفت شبكة وكلاء إيران في منطقة الشرق الأوسط بسبب الضربات الإسرائيلية المتزايدة، في الوقت الذي استأنف فيه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حملة “الضغط الأقصى” التي بدأها في ولايته الأولى ضد إيران.
ورغم أن ترامب ألمح يوم الخميس إلى أنه ليس متحمسًا لشن ضربات عسكرية وشيكة ضد المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن التهديد بالعمل العسكري لا يزال يلوح في الأفق. وقال ردًا على سؤال حول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز يفيد بأنه منع إسرائيل من القيام بمثل هذا العمل العسكري: “لست في عجلة من أمري للقيام بذلك لأنني أعتقد أن لدى إيران فرصة لأن تكون دولة عظيمة وأن تعيش بسعادة دون موت… أود أن أرى ذلك، هذا خياري الأول. إذا كان هناك خيار ثانٍ، فأعتقد أنه سيكون سيئًا للغاية بالنسبة لإيران”.
لقاءات سرية وتنسيق دولي.. محاولات التأثير على المفاوضات!
قبيل مفاوضات روما، التقى المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف سرًا في باريس مع رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي والمقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومدير الموساد ديفيد برنياع. وتفضل الحكومة الإسرائيلية العمل العسكري ضد إيران على الدبلوماسية، وزعم مكتب نتنياهو أن “العمليات الإسرائيلية العلنية والسرية هي السبب في أن إيران لا تمتلك ترسانة نووية حاليًا”. وكانت الاستخبارات الأمريكية قد حذرت من أن إسرائيل قد تحاول مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
كما التقى ويتكوف في باريس بوزير الخارجية ماركو روبيو لمناقشة أوكرانيا، وتبادل الطرفان وجهات النظر حول الاجتماع المقبل بشأن إيران مع حلفاء “E3” (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة). وقال روبيو: “بالنسبة للأوروبيين، عليهم اتخاذ قرار مهم قريبًا جدًا بشأن إعادة فرض العقوبات، لأن إيران لم تلتزم بوضوح بالاتفاق الحالي… سيكون هذا عاملًا مؤثرًا في كل هذا، ولهذا السبب كان من المهم أن نتحدث معهم بشأنه قبل مفاوضاتنا السبت”.
وقد زار عباس عراقجي موسكو قبل توجهه إلى روما، حيث التقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، معربًا عن توقعه بأن تواصل روسيا دورها “الداعم” في أي اتفاق نووي جديد.
من جهته، صرح رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، رافائيل غروسي، خلال زيارة لإيران، بأن المفاوضات “في مرحلة حاسمة للغاية”، مضيفًا: “نعلم أن الوقت ضيق”.
يُذكر أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني خلال ولاية ترامب الأولى، تجاوزت طهران القيود التي فرضها الاتفاق على تخصيب اليورانيوم بشكل كبير، لكنها أكدت مرارًا أنها لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية.
وفي سياق إقليمي متصل، زار وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان طهران هذا الأسبوع في واحدة من أرفع الزيارات لمسؤول سعودي منذ عقود، في خطوة تهدف إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية بين الخصمين الإقليميين، السعودية وإيران، والإشارة إلى إمكانية لعب المملكة دورًا في خفض التصعيد والوساطة في جهود السلام. وأشار مصدر لشبكة CNN إلى أن السعوديين يراقبون عن كثب المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، مع إدراكهم لاحتمالية أن تكون نتائجها غير متوقعة وقصيرة الأجل.
