في سياق الحرب المستمرة على قطاع غزة، تتكشف يوماً بعد يوم أساليب جديدة تُظهر إصرار الاحتلال الإسرائيلي على تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ليس فقط بالقصف والدمار، بل أيضاً عبر وسائل «ناعمة» وأشد خطورة، تهدف لتفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل دون ضجيج. فبحسب بيان رسمي صدر عن وزارة الداخلية والأمن الوطني في غزة، فإن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تنفذ حالياً حملات نفسية وخداعية منظمة تستهدف المدنيين الفلسطينيين في محاولة لخلق ممرات تهجير غير مباشرة.
تعتمد هذه المحاولات على إرسال رسائل نصية واتصالات صوتية مباشرة إلى هواتف المواطنين في غزة، تُظهر نفسها بوجه «إنساني»، وتدّعي أن التنسيق مع المخابرات الإسرائيلية قد يتيح لهم فرصة السفر خارج القطاع المحاصر. غير أن وزارة الداخلية شددت على أن هذه الرسائل ليست سوى جزء من خطة تضليل ممنهجة، تهدف إلى دفع المواطنين للانخراط في اتصالات قد تُستخدم لاحقاً كوسيلة ابتزاز أو تهديد، أو كحجة لاعتبارهم متعاونين، وهو ما يعرضهم للخطر القانوني والاجتماعي.
إجراءات قانونية صارمة
الخطير في هذه الحملة هو أنها تستثمر في الجراح المفتوحة لسكان غزة؛ فالحصار المستمر، والدمار واسع النطاق، وانهيار النظام الصحي، والحاجة الماسة للعلاج والغذاء والأمان، تجعل فكرة «الخروج من الجحيم» مغرية للبعض، وهو ما تستغله إسرائيل ببراعة، وتُحوّله إلى وسيلة ضغط ذات طابع نفسي وإنساني. هذه الاستراتيجية ليست جديدة بالكامل، لكنها تشهد تطوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه العسكرية رغم حرب الإبادة المستمرة منذ شهور.
وزارة الداخلية لم تكتف بالتحذير من الرسائل، بل أكدت أن أي تعامل مع هذه الاتصالات سيقابل بإجراءات قانونية صارمة، في محاولة لحماية النسيج المجتمعي من الاختراق. كما دعت الوزارة المجتمع الدولي لتحمّل مسؤوليته والضغط على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات التي تُعد، بحسب القانون الدولي، جرائم تهجير قسري وتلاعب بحقوق الإنسان.
أساليب خفية
تأتي هذه التحذيرات في وقت يستمر فيه العدوان الإسرائيلي على غزة منذ استئنافه في 18 مارس، بعد هدنة مؤقتة استمرت شهرين. ووفقاً لأحدث إحصاءات وزارة الصحة في غزة، فقد ارتفع عدد الشهداء منذ اندلاع الحرب إلى أكثر من 51 ألفاً، من بينهم ما لا يقل عن 1827 شهيداً منذ استئناف الهجوم الأخير.
المشهد في غزة إذن ليس مجرد معركة عسكرية تُخاض على الأرض، بل هو صراع متعدد الأبعاد: عسكري، نفسي، وإنساني، تُستخدم فيه كل الأدوات الممكنة لإجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم. ومع ذلك، يبدو أن صمود المجتمع الفلسطيني ووعيه بهذه الأساليب الخفية يشكل سداً منيعاً أمام محاولات الاحتلال، مهما بلغت دقتها أو خُبثها. فكما تقول وزارة الداخلية، “ما فشل الاحتلال في تحقيقه بالقصف لن يحققه بالخداع”