الوضع الإنساني في غزة وصل إلى مستويات كارثية، مع تحذيرات أممية متزايدة من خطر المجاعة وانتشار الأوبئة، وسط استمرار القصف الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات منذ مارس الماضي. في هذا السياق، أصدرت كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بياناً مشتركاً يطالب إسرائيل برفع الحظر فوراً والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع دون قيود. لكن السؤال الجوهري هنا هو: هل لهذه الضغوط الأوروبية أي جدوى فعلية؟ وهل تستطيع أوروبا أن تفرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت في الرفض؟
جدوى الضغوط الأوروبية
الضغوط الأوروبية في شكل بيانات وتصريحات سياسية تمثل خطوة مهمة على المستوى الدبلوماسي، خصوصاً عندما تصدر من قوى ثقيلة الوزن كألمانيا وفرنسا وبريطانيا. هذه الدول ليست فقط شركاء اقتصاديين وعسكريين لإسرائيل، بل هي أيضاً أطراف رئيسية في الاتحاد الأوروبي، ما يمنح مواقفها تأثيراً مضاعفاً. ومع ذلك، تبقى فعالية هذه الضغوط محدودة لعدة أسباب:
البيانات القوية لا تتحول بالضرورة إلى سياسات عملية أو قرارات ملزمة. فهي تعكس موقفاً أخلاقياً وسياسياً، لكنها لا تُترجم إلى قرارات توقف فعلاً العمليات الميدانية. وهناك انقسام واضح داخل الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل. بعض الدول مثل المجر والتشيك تبدي دعماً صريحاً لإسرائيل، ما يعرقل إصدار قرارات موحدة أو تطبيق عقوبات.
تعتمد إسرائيل بدرجة كبيرة على الدعم الأمريكي، وليس الأوروبي، في الجوانب العسكرية والسياسية. لذا، الضغط الأوروبي دون تنسيق مع واشنطن سيظل تأثيره محدوداً. وتتعامل إسرائيل مع الانتقادات الدولية على أنها “متحيّزة”، وتواصل سياساتها العسكرية متذرعة بالأمن القومي ومواجهة حماس.
إمكانية فرض عقوبات أوروبية
من الناحية القانونية والسياسية، يملك الاتحاد الأوروبي القدرة على فرض عقوبات، مثل تعليق اتفاقات الشراكة التجارية أو حظر تصدير الأسلحة أو تقييد الدخول لمسؤولين إسرائيليين. لكن فعلياً، الأمر ليس بهذه السهولة، لأن العقوبات تتطلب إجماعاً أوروبياً، وهو أمر يصعب تحقيقه بسبب المواقف المختلفة للدول الأعضاء.
الخوف من التبعات الاقتصادية: إسرائيل شريك اقتصادي مهم لبعض الدول الأوروبية، ما يجعل بعض الحكومات تتردد في الذهاب نحو عقوبات قد تضر بمصالحها.، الحساسية السياسية: العلاقات الأوروبية-الإسرائيلية محكومة بتاريخ طويل ومعقد، ومن غير السهل اتخاذ إجراءات عدائية دون خلق أزمة دبلوماسية أوسع.
الضغوط الأوروبية تمثل تحركاً سياسياً مهماً قد يُسهم في إثارة الرأي العام العالمي وزيادة العزلة الدبلوماسية لإسرائيل، لكنه يظل غير كافٍ لتغيير السياسات الإسرائيلية ما لم يُترجم إلى إجراءات عملية، سواء عبر الأمم المتحدة أو من خلال قرارات أوروبية جماعية ذات طابع عقابي. وإلى أن يتحقق ذلك، ستظل المساعدات محاصرة، وسيظل المدنيون في غزة يدفعون الثمن.