استهداف المدنيين في قطاع غزة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بات نمطاً ممنهجاً أكثر من كونه نتائج عرضية للحرب. الغارات التي طالت مدارس ومخيمات ومشافٍ، كالهجوم الأخير على “مدرسة يافا” التي كانت تأوي نازحين في حي التفاح بمدينة غزة، وقصف “مستشفى الدرة للأطفال” الذي أدى إلى تدمير وحدة العناية الفائقة، ليست سوى فصل جديد من سلسلة استهدافات متكررة لبنى تحتية مدنية يفترض أن تتمتع بالحماية الكاملة بموجب القانون الدولي الإنساني.
استمرار هذه الاستهدافات، التي خلّفت خلال الساعات الماضية فقط ما لا يقل عن 20 قتيلاً بينهم أطفال ونساء، تؤكد أن القوات الإسرائيلية لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية، بل وتتعمّد قصف مواقع ذات طابع إنساني، بحجة وجود نشاطات “إرهابية” قريبة منها. في حالات كثيرة، تبرر إسرائيل هجماتها بذريعة استخدام “حماس” للمستشفيات والمدارس كمقرات أو مخازن أسلحة، وهي رواية لطالما تم توظيفها لتبرير ضربات مدمرة في مناطق مكتظة بالسكان.
انهيار شبه كامل
ما يعمق المأساة هو انهيار شبه كامل للبنية التحتية الحيوية في القطاع، في ظل حصار خانق يمنع دخول الوقود والمعدات الطبية وحتى أدوات الإنقاذ. الضربات الأخيرة استهدفت حتى الجرافات والمركبات الثقيلة التي تُستخدم في إزالة الأنقاض وإنقاذ العالقين تحت الركام. هذا يشير إلى محاولة إسرائيلية منهجية لتعطيل أي قدرة محلية على الاستجابة الإنسانية، في خرق مباشر لكل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المدنيين وقت النزاع.
ورغم هذه الانتهاكات الفادحة، يعجز المجتمع الدولي حتى الآن عن اتخاذ إجراءات عملية لردع الحكومة الإسرائيلية أو فرض عقوبات على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حتى بعد صدور قرارات من المحكمة الجنائية الدولية تتهمه بارتكاب جرائم حرب.
أسباب هذا العجز تعود إلى أن الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، تستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن بشكل متكرر لمنع تمرير قرارات قد تُدين إسرائيل أو تفرض عليها عقوبات. الدعم الأمريكي غير المشروط، سواء في السلاح أو التمويل أو الدبلوماسية، يُضعف أي مساعٍ دولية جادة للمحاسبة.
التصعيد القانوني والدبلوماسي
وهناك تباين واضح في تعامل المجتمع الدولي مع النزاعات حول العالم. في حين تحرك العالم سريعاً ضد روسيا في أوكرانيا، وتبنّت الدول الغربية عقوبات صارمة، يتردد المجتمع ذاته في اتخاذ إجراءات مماثلة ضد إسرائيل رغم فداحة الجرائم.
رغم قراراتها، المحكمة لا تملك ذراعاً تنفيذية لتنفيذ الأحكام. إسرائيل ليست عضواً في المحكمة، وترفض التعاون معها، كما ترفض الاعتراف باختصاصها في القضايا المتعلقة بالأراضي الفلسطينية.
العديد من الدول تحتفظ بعلاقات اقتصادية واستراتيجية قوية مع إسرائيل، ما يجعلها تتردد في التصعيد القانوني أو الدبلوماسي ضدها. وهناك خشية من ردود فعل إسرائيلية، أو خسارة مصالح مرتبطة بالتعاون التكنولوجي والعسكري.
ضعف الحشد الدولي
الانقسام الفلسطيني الداخلي وغياب موقف عربي موحّد يضعف الحشد الدولي المطلوب لمساءلة إسرائيل على جرائمها. حتى في الساحة الدولية، لا يوجد لوبي ضاغط فاعل لصالح القضية الفلسطينية يُوازي تأثير اللوبي الإسرائيلي.
النتيجة هي واقع مأساوي يدفع ثمنه المدنيون في غزة وحدهم، في ظل غياب توازن في تطبيق القانون الدولي، واستمرار الإفلات من العقاب. وتبقى الغارات الأخيرة، من استهداف المدارس إلى قصف المشافي، بمثابة جرس إنذار عالمي، لكن لا أحد يبدو مستعداً لسماعه فعلاً.