الخسائر التي يتكبدها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وآخرها مقتل جندي وإصابة سبعة آخرين في ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ”حدث أمني صعب”، تعكس تعقيد المشهد الميداني وتعمّق المأزق الذي تواجهه الحكومة الإسرائيلية في إدارتها لهذه الحرب طويلة الأمد. تكرار هذه الخسائر، خاصة في عمليات نوعية تستهدف وحدات عسكرية متخصصة مثل لواء المدفعية والفرقة 36، لا يُضعف فقط الجبهة القتالية، بل يُحدث أيضًا تآكلًا تدريجيًا في ثقة الشارع الإسرائيلي بحكومته وقيادتها العسكرية.
حدث أمني صعب
العبارة التي باتت مألوفة في الإعلام الإسرائيلي، “حدث أمني صعب”، لم تعد تحمل طابع الغموض بقدر ما أصبحت تعني مباشرةً “ضربة مؤلمة” يتلقاها الجيش، غالبًا نتيجة كمائن مدروسة أو عمليات قنص دقيقة أو تفجيرات داخل أنفاق مفخخة. مثل هذه العمليات، التي تقف خلفها الفصائل الفلسطينية المسلحة، تكشف عن قدرة المقاومة على استعادة المبادرة الميدانية رغم الحصار والقصف والتفوق الجوي الإسرائيلي. والمفارقة أن كل تقدم بري إسرائيلي في غزة، يُقابل بمقاومة عنيفة، تُنتج خسائر مباشرة في الأرواح والعتاد، وتُجبر الجيش على التراجع أو إعادة التموضع.
في الداخل الإسرائيلي، تتفاعل هذه الخسائر بشكل أكثر حساسية من مجرد تقارير عسكرية. فكل قتيل أو مصاب يُعيد فتح جراح المجتمع الذي يعيش منذ السابع من أكتوبر في حالة طوارئ نفسية وأمنية. وقد انعكست هذه الخسائر بوضوح في تصاعد وتيرة الاحتجاجات ضد حكومة بنيامين نتنياهو، التي يتهمها كثيرون بأنها تدير الحرب على حساب الدم الإسرائيلي، وتفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة، لا في الميدان ولا في السياسة.
أزمة سياسية داخل إسرائيل
الشارع الإسرائيلي، وإن بدا في بدايات الحرب متماسكًا خلف القيادة، بدأ يفقد صبره تدريجيًا مع كل فشل ميداني، وكل تأخير في تحقيق الأهداف المعلنة، خصوصًا في ملف الرهائن. ومع تكرار مثل هذه “الأحداث الأمنية الصعبة”، تتزايد المطالبات بمساءلة الحكومة والجيش، بل والدعوات لتغيير القيادة برمتها. وهذا ما يفسر التصعيد الحاد في لهجة الإعلام العبري، والضغط المتواصل على نتنياهو الذي يتهمه البعض باستخدام الحرب كدرع واقٍ للهروب من أزماته القضائية والسياسية.
كما أن هذه الخسائر تعزز من الانقسام داخل النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، خاصة بين المتشددين الذين يطالبون باجتياح كامل وغير مشروط لغزة، وبين الأصوات التي ترى أن تكلفة هذه الحرب أصبحت أعلى بكثير من أي مكسب محتمل. ومع تفاقم الوضع الإنساني في غزة، والتصعيد الدولي المتزايد ضد الممارسات الإسرائيلية، تصبح كل خسارة جديدة في صفوف الجيش بمثابة حطب إضافي في نار الأزمة السياسية داخل إسرائيل.
إحباط الشعبي
الإحباط الشعبي لم يعد محصورًا في دائرة الأهالي المتضررين مباشرة، بل بدأ يمتد إلى قطاعات أوسع من المجتمع الإسرائيلي، التي بدأت تتساءل عن جدوى استمرار الحرب، ومتى تنتهي، وعلى أي صورة. مشاعر الغضب التي كانت موجهة إلى حماس فقط، بدأت تتوزع الآن بين الجيش، الحكومة، وشخص نتنياهو نفسه، الذي يبدو عاجزًا عن حسم المعركة أو تقديم مخرج آمن منها.
ومع استمرار العمليات النوعية من قبل المقاومة، وتكبد الجيش لمزيد من الخسائر، يُتوقع أن تتصاعد الأزمة الداخلية في إسرائيل بشكل أكبر، وأن يتحول الضغط الشعبي من احتجاجات مطلبية إلى حركة سياسية تطالب بتغيير جوهري في القيادة ونهج الحكم. هذا التحول قد لا يكون بعيدًا، خاصة في ظل فقدان الثقة المتزايد بحكومة تُتهم بتضليل الجمهور والتلاعب بالحقائق من أجل البقاء السياسي.