بينما تستعد العاصمة العمانية مسقط لاستضافة الجولة الثالثة من المحادثات النووية بين وفدي واشنطن وطهران اليوم السبت، بدأت تلوح في الأفق بعض الشروط التي تضعها إيران على طاولة المفاوضات، فضلاً عن تحديدها لنقاط خلاف رئيسية ترى أنها لا تزال تشكل تحدياً أمام التوصل إلى اتفاق.
عشية الجولة المرتقبة، صرح عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري، بأن أي مفاوضات مع الولايات المتحدة يجب أن تكون مشروطة بالتزامات واضحة وعملية من الجانب الأميركي. ووفقاً لوكالة “فارس” الإيرانية، تضمنت هذه الشروط مطالبة صريحة بالانسحاب الكامل للقوات العسكرية الأميركية من منطقة الشرق الأوسط، وتقليص الدعم غير المشروط الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل.
اتهامات لواشنطن بتهديد الاستقرار الإقليمي ودعم “الأزمة الفلسطينية”
في تصريحاته، اعتبر كوثري أن الوجود العسكري الأميركي طويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط قد شكل تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار الإقليميين. كما أشار إلى أن الدعم الشامل الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل قد ساهم بشكل كبير في استمرار الأزمة الفلسطينية وتفاقمها على مر العقود.
إلى جانب الشروط المحددة، دعا عضو البرلمان الإيراني الولايات المتحدة إلى إجراء تغييرات جوهرية في سياساتها تجاه المنطقة. وأكد أن أي مفاوضات يجب أن تتم في سياق تحقيق المصالح العليا للشعب الإيراني والدول المستقلة، وفق تعبيره، مما يشير إلى رغبة طهران في تحقيق مكاسب ملموسة من أي اتفاق يتم التوصل إليه.
في سياق متصل، كشف مسؤول إيراني مطلع عن رؤية بلاده للعقبات الرئيسية في طريق المفاوضات مع الولايات المتحدة. ولافتاً للانتباه، أوضح المسؤول أن إيران تعتبر برنامجها الصاروخي هو التحدي الأكبر في المناقشات، وليس ملف تخصيب اليورانيوم الذي حظي باهتمام دولي واسع.
قناعة إيرانية بقبول أميركي لعدم إنهاء تخصيب اليورانيوم بالكامل
أشار المسؤول الإيراني إلى أن المفاوضين الإيرانيين غادروا روما، حيث عُقدت الجولة الثانية من المحادثات، وهم على قناعة بأن الولايات المتحدة قد قبلت موقف طهران بعدم إنهاء برنامجها لتخصيب اليورانيوم بشكل كامل، أو التنازل عن جميع اليورانيوم الذي تم تخصيبه بالفعل. ومع ذلك، أكد أن البرنامج الصاروخي الإيراني لا يزال يشكل نقطة خلاف رئيسية تتطلب إيجاد حلول لها.
على صعيد آخر، كانت تقارير قد أشارت إلى أن الجانبين الإيراني والأميركي قد اتفقا خلال محادثاتهما الأخيرة في روما على البدء في وضع إطار عمل يهدف إلى حل الخلاف القائم منذ فترة طويلة بشأن برنامج طهران النووي. وجاء هذا التقدم في ظل تهديدات سابقة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران ما لم يتم التوصل إلى اتفاق دبلوماسي.
في تصريحات للصحافيين يوم الجمعة، أكد الرئيس ترامب أن الأمور تسير “على ما يرام” فيما يتعلق بالملف الإيراني، مشيراً إلى أن التواصل يتم على “أعلى المستويات”. ومع ذلك، لم يقدم الرئيس الأميركي تفاصيل إضافية حول طبيعة هذا التواصل أو التقدم المحرز.
ترقب لجولة ثالثة حاسمة في مسقط
تأتي هذه التصريحات والشروط المتبادلة قبل ساعات من انطلاق الجولة الثالثة من المفاوضات بين الوفد الإيراني بقيادة وزير الخارجية عباس عراقجي، والوفد الأميركي برئاسة المبعوث ستيف ويتكوف، والتي ستعقد في سلطنة عمان. وتكتسب هذه الجولة أهمية خاصة بعد أن وُصفت الجولتان السابقتان في مسقط وروما بالإيجابية والبناءة، مما يثير الآمال بإمكانية تحقيق تقدم ملموس نحو حلحلة هذا الملف المعقد.
وتعكس الشروط التي طرحها النائب الإيراني قبيل الجولة الثالثة من المحادثات في عمان مدى تمسك طهران بمواقفها ورغبتها في تحقيق مكاسب سياسية وأمنية واضحة مقابل أي تنازلات محتملة في الملف النووي. فالمطالبة بانسحاب القوات الأميركية من المنطقة وتقليص الدعم لإسرائيل تمثل قضايا ذات حساسية بالغة بالنسبة لإيران، وتشير إلى سعيها لتغيير موازين القوى الإقليمية.
في المقابل، فإن إشارة المسؤول الإيراني إلى أن البرنامج الصاروخي يمثل نقطة خلاف أكبر من تخصيب اليورانيوم تفتح نافذة جديدة على طبيعة التحديات التي تواجه المفاوضين. ففي حين ركزت النقاشات الدولية بشكل كبير على القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، يبدو أن طهران تضع برنامجها الصاروخي في مرتبة متقدمة من حيث الأهمية الاستراتيجية وعدم الرغبة في التفريط فيه.
ستكون الجولة الثالثة في مسقط بمثابة اختبار حقيقي لمدى جدية الطرفين في التوصل إلى حلول وسطى. فإذا تمكن المفاوضون من تجاوز الخلافات حول القضايا الإقليمية والبرنامج الصاروخي، إلى جانب ملف تخصيب اليورانيوم، فقد تلوح في الأفق بوادر اتفاق ينهي سنوات من التوتر. أما إذا ظلت المواقف متباعدة، فقد تستمر حالة الترقب والقلق التي تخيم على المنطقة والعالم.