هزت الولايات المتحدة الأمريكية ضجة واسعة النطاق عقب إلقاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) القبض على قاضية أمريكية من دائرة مقاطعة ميلووكي، حيث وُجهت إليها اتهامات خطيرة بزعم مساعدتها لمهاجر غير شرعي على التهرب من قبضة القانون داخل قاعة محكمتها.
تواجه القاضية هانا دوغان تهمتين جنائيتين تتمثلان في عرقلة سير العدالة وإخفاء شخص مطلوب عن الاعتقال. وقد مثلت القاضية أمام المحكمة للمرة الأولى بعد القبض عليها، ليتم الإفراج عنها لاحقًا. ويُعد هذا الاعتقال بمثابة تصعيد لافت في تركيز إدارة الرئيس دونالد ترامب على سلوك القضاة، خاصة فيما يتعلق بتطبيق قوانين الهجرة الصارمة التي تتبناها الإدارة.
اتهامات فيدرالية مباشرة وتأكيد على محاسبة المتورطين
أكدت وزارة العدل الأمريكية مرارًا وتكرارًا على أنها لن تتوانى في التحقيق مع أي مسؤول يتقاعس عن مساعدة السلطات في قضايا الهجرة. وفي هذا السياق، صرح مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل عبر منصة “إكس” بأن “القاضية دوغان تعمدت تضليل الموظفين الفيدراليين بعيدًا عن إدواردو فلوريس رويز، الشخص الذي كان من المقرر اعتقاله في محكمتها، مما سمح له – وهو مهاجر غير شرعي – بالتهرب من الاعتقال”. وأضاف باتيل أن “عملاءنا طاردوا الجاني سيرًا على الأقدام وتم القبض عليه لاحقًا، لكن عرقلة القاضية زادت من خطره على الجمهور”.
في أول ظهور لها أمام المحكمة، صرح محامي القاضية دوغان بأن “القاضية تأسف بشدة وتعترض على اعتقالها”، مؤكدًا أن “ذلك لم يكن حرصًا على السلامة العامة”. ووفقًا لتحقيقات المحققين، فإن عملاء فيدراليين بملابس مدنية توجهوا إلى قاعة محكمة القاضية دوغان في الثامن عشر من أبريل الماضي بهدف اعتقال إدواردو فلوريس رويز، وهو مهاجر مكسيكي سبق ترحيله من الولايات المتحدة عام 2013 وعاد إليها بشكل غير قانوني.
شهادات تكشف عن دور القاضية في تهريب المهاجر
تشير وثائق المحكمة إلى أنه بعد إبلاغ القاضية دوغان بوجود العملاء الفيدراليين في قاعة المحكمة، “ظهر عليها غضب واضح، وعلقت بأن الوضع سخيف، وغادرت المنصة، ودخلت القاعة”. وقد أفاد شهود للمحققين بأن القاضية واجهت العملاء في ردهة عامة وطالبتهم مرارًا بالمغادرة، مدعية حاجتهم إلى أمر اعتقال مختلف. وزُعم أن العديد من الشهود، بمن فيهم نائب القاضية والمدعي العام وأخصائي شهود الضحايا في قضية فلوريس رويز، رأوا القاضية وهي توجه فلوريس رويز ومحاميه للمغادرة عبر “باب هيئة المحلفين” المؤدي إلى منطقة غير عامة في المحكمة.
أفاد أحد الشهود بأن القاضية دوغان أوقفت فلوريس رويز ومحاميه أثناء محاولتهما الخروج من الباب العادي لقاعة المحكمة، قائلة لهما “انتظر، تعال معي”. ووفقًا للمحققين، خرج فلوريس رويز ومحاميه بسرعة من المحكمة قبل أن يتمكن العملاء من اللحاق بهما. تمكن العملاء لاحقًا من العثور على فلوريس رويز خارج المحكمة والقبض عليه بعد محاولته الفرار. وتجدر الإشارة إلى أن هذه القضية منفصلة عن التهم الموجهة إلى القاضية دوغان.
صراع حول أساليب وأولويات إدارة ترامب في ملف الهجرة
سارع مسؤولون في إدارة ترامب إلى الترويج لاعتقال القاضية دوغان باعتباره خطوة مهمة في تنفيذ حملتهم الصارمة على الهجرة ومحاسبة من يعتبرونهم “فاسدين”. وصرحت المدعية العامة بام بوندي بأن “تدمير الأدلة وإعاقة العدالة، خاصة عندما يكون هناك ضحايا لعنف منزلي في قاعة المحكمة ويتم تهريب متهم جنائي، أمر غير مقبول”. وأضافت بوندي: “أعتقد أن بعض هؤلاء القضاة يعتقدون أنهم فوق القانون، وهم ليسوا كذلك”. وبالمثل، أكد توم هومان، المسؤول عن أمن الحدود في إدارة ترامب، أنه “لا ينبغي لأحد أن يتفاجأ باعتقال قاضيين” في إشارة إلى قضية أخرى تتعلق بقاض سابق متهم بإيواء مهاجرين غير شرعيين.
في المقابل، هاجم معارضو الإدارة بشدة اعتقال القاضية دوغان، معتبرين إياه تهديدًا خطيرًا للنظام القانوني. ووصف حاكم ولاية ويسكونسن توني إيفرز، وهو ديمقراطي، خطاب إدارة ترامب بأنه “خطير لمهاجمة قضائنا ومحاولة تقويضه على جميع المستويات”، مؤكدًا على مبدأ براءة المتهم حتى تثبت إدانته. كما أعرب عمدة ميلووكي كافاليير جونسون عن قلقه من أن الاعتقال قد يخيف الناس من الحضور إلى المحكمة، مما يقوض السلامة العامة. ووصفت النائبة العامة في ميلووكي نانسي مور الاعتقال بأنه “مروع” ويحمل “جميع علامات التجاوز”، مؤكدة أن دخول سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية واعتقال قاضية “أمر خطير ويتطلب معايير قانونية صارمة” وأعربت عن قلقها البالغ إزاء “هذه التصرفات الخارجة عن القانون بشكل متزايد من قبل إدارة ترامب”.