أثار قرار تعيين حسين الشيخ نائبًا للرئيس الفلسطيني محمود عباس، غضب حركة حماس، التي سارعت إلى وصف الخطوة بأنها “تكريس لنهج التفرد”. انتقاد حماس لتعيين نائب للرئيس، وهو منصب يُفترض أن يساهم في ضمان استقرار النظام السياسي الفلسطيني وتجديد شرعيته، يثير تساؤلات حقيقية حول أولويات الحركة ومواقفها. ففي الوقت الذي تدّعي فيه حماس الحرص على وحدة القرار الوطني، نجد أنها بنفسها انشقت عن السلطة الشرعية منذ سيطرتها بالقوة على قطاع غزة عام 2007، ما أدى إلى شرخ عميق في الجسد الفلسطيني لا تزال تداعياته تضرب القضية حتى اليوم.
حصار ودمار غزة
الانقسام الفلسطيني الذي قادته حماس كان كارثيًا بمختلف المقاييس: فصلت غزة عن الضفة سياسيًا وجغرافيًا، وأدخلت القطاع في سلسلة لا تنتهي من الحروب والحصار والمعاناة. وعوضًا عن أن تكون غزة قاعدة موحدة لمشروع تحرري فلسطيني جامع، تحولت إلى ساحة صراع داخلي دموي أولًا، ثم إلى ورقة إقليمية يتم توظيفها في صراعات إقليمية أوسع.
لا يمكن إنكار أن سيطرة حماس على غزة بالقوة، بعيدًا عن أي توافق وطني أو شرعية انتخابية متجددة، كانت واحدة من الأسباب الرئيسة في تعميق عزلة القطاع ومعاناة سكانه. فاليوم، في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها القطاع، لا يستطيع المراقب إلا أن يسأل: ماذا جنت غزة من حكم أحادي استمر لأكثر من 17 عامًا سوى الحصار، الفقر، والتدمير المتكرر للبنى التحتية؟
إعادة ترتيب الصف الداخلي
كل ذلك حدث، بينما العالم ينظر إلى الانقسام الفلسطيني كحجة إضافية لتجاهل الحقوق الفلسطينية، ويجد الاحتلال في الانقسام فرصة مثالية لتعزيز مشاريعه الاستيطانية في الضفة والقدس.
تحاول القيادة الفلسطينية إعادة ترتيب الصف الداخلي عبر خطوات مثل تعيين نائب للرئيس، بما يضمن استمرارية المؤسسات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، نجد حماس تنتقد هذه الخطوات. نقدها قد يبدو منطقيًا إذا كان قائمًا على دعوة حقيقية إلى إصلاح شامل، لكنه يُفقد مصداقيته عندما يأتي من حركة رفضت على مدار سنوات طويلة كل المبادرات للمصالحة الوطنية، وأصرت على احتكار غزة سياسيًا وعسكريًا دون العودة إلى صناديق الاقتراع أو التوافق الوطني.
الواقع أن دعوة حماس الأخيرة إلى “إعادة بناء منظمة التحرير” تبدو من حيث التوقيت انتقائية. فلو كانت هناك رغبة صادقة منذ البداية، لكانت حركة حماس قد التحقت بمنظمة التحرير بشروط التعددية والتمثيل الوطني المتفق عليه، بدلًا من خلق كيان موازٍ خارجها.
الانتقاد الموضوعي لخطوات السلطة الفلسطينية أمر مشروع، ولكن المواقف الانتقائية التي تتجاهل ممارسات الماضي، وتحاكم كل جهد لإعادة هيكلة المؤسسات الوطنية بناءً على معايير مزدوجة، لا تخدم المصلحة الفلسطينية العليا.
خدمة مجانية لمشروع الاحتلال
الفلسطينيون بحاجة اليوم إلى خطاب مسؤول موحد، يقفز فوق الحسابات الفئوية الضيقة نحو وحدة وطنية حقيقية، قوامها الشراكة السياسية والمصالحة الوطنية، وليس المناكفات الإعلامية.
المعركة الحقيقية هي مع الاحتلال الذي ينهش الأرض والشعب، وليست مع مؤسساتهم الوطنية مهما كانت بحاجة إلى الإصلاح والتطوير. فكل طعنة داخلية توجه للجهود الرامية إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، هي خدمة مجانية لمشروع الاحتلال الذي لا يرغب سوى برؤية الفلسطينيين منقسمين، مشتتين، وعاجزين عن إنتاج قيادة موحدة وقوية.