بثت كتائب القسام مؤخرًا تسجيلًا مصورًا يظهر عملية قالت إنها لإنقاذ رهائن إسرائيليين من داخل أحد الأنفاق التي قصفها الجيش الإسرائيلي خلال العدوان المتواصل على قطاع غزة. الفيديو القصير، الذي أظهر مجموعة من عناصر القسام وهم ينتشلون محتجزًا بدا عليه التعب الشديد، جاء في توقيت حساس من الحرب، وسط اشتداد المواجهات الميدانية وتزايد الضغوط الدولية والإقليمية لفرض تهدئة.
ورقة الرهائن
بث هذه المشاهد لا يمكن فصله عن السياق السياسي والعسكري المحيط بغزة. فمن جهة، تسعى حركة حماس إلى استخدام ورقة الرهائن كورقة تفاوضية حاسمة مع إسرائيل، خاصة أن مصير الرهائن أصبح قضية حساسة تشغل المجتمع الإسرائيلي بشدة، وتضغط بقوة على الحكومة الإسرائيلية التي تواجه اتهامات بالتقصير في استعادة أسراها. من هذا المنظور، فإن بث الفيديو يشكل رسالة واضحة للاحتلال: الرهائن لا يزالون أحياء، ومصيرهم في أيدي المقاومة، مما يعني أن أي تصعيد إضافي قد يعرضهم للخطر، ويضاعف من التكاليف السياسية على الحكومة الإسرائيلية.
ومع ذلك، فإن توقيت نشر الفيديو وطريقة عرضه يكشفان أيضًا عن معطيات أعمق تتعلق بوضع حماس الداخلي. فمن المؤكد أن الحركة تواجه ظروفًا بالغة الصعوبة، مع تصعيد عسكري غير مسبوق، وحصار خانق يمنع دخول الإمدادات الغذائية والطبية، إلى جانب الدمار الواسع الذي طال كل جوانب الحياة في غزة. في ظل هذه الضغوط، يبدو أن حماس أصبحت تدرك أن قدرتها على المناورة العسكرية واللوجستية تتضاءل، وأن أوراقها التفاوضية يجب أن تُستخدم بحذر شديد قبل أن تفقد فاعليتها.
عزله سياسية
بث الفيديو قد يكون جزءًا من محاولة استباقية للتأكيد على أن حماس لا تزال تحتفظ بالرهائن، وأنها قادرة على التأثير في مجريات التفاوض، رغم كل ما تعانيه غزة من حصار وتجويع وقصف مكثف. بعبارة أخرى، إنه اعتراف غير مباشر بحجم الضغط الذي تتعرض له الحركة داخليًا وخارجيًا.
على الصعيد الموضوعي، لا يمكن إغفال مسؤولية حماس عن الحالة المأساوية التي آل إليها قطاع غزة. تمسك الحركة بسيطرتها المطلقة على القطاع منذ عام 2007، ورفضها التوصل إلى صيغة شراكة وطنية حقيقية مع باقي الفصائل الفلسطينية، ساهم في عزله سياسيًا، وتركه عرضة للاستفراد الإسرائيلي والعقوبات الدولية.
الإصرار على الاحتكار السياسي والعسكري للقرار في غزة، دون العودة إلى وحدة وطنية فلسطينية شاملة، أدى إلى انقسام كارثي زاد من معاناة الشعب الفلسطيني، وفتح المجال أمام إسرائيل لتبرير الكثير من سياساتها التدميرية ضد القطاع.
التمسك الأحادي بالحكم
اليوم، ومع الكارثة الإنسانية التي تضرب غزة بكل عنف، تبدو الحاجة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لمراجعة شاملة في الفكر السياسي لحماس: مراجعة تعترف بأن الصمود البطولي لا يكفي وحده إذا لم يقترن بوحدة وطنية حقيقية وإدارة رشيدة تأخذ بالاعتبار مصلحة السكان المدنيين أولاً وأخيرًا.
المقاومة حق مشروع، لكن الحفاظ على حياة الناس وصون كرامتهم هو أيضًا جوهر المشروع الوطني الفلسطيني. ولذلك، فإن التمسك الأحادي بالسيطرة على غزة في مقابل استمرار الكارثة لن يخدم إلا الاحتلال، الذي يسعى بكل قوته إلى استغلال كل انقسام وكل مأساة لضرب القضية الفلسطينية في جذورها.